الجمعة، 25 ديسمبر 2015
محن الإمام علي صلوات الله عليه
مهد الزمان
وفيك إنطوى العالم الأكبر
الغاية الأسمى
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد واله الطيبين الطاهرين
بدايةً أحب أن أنوه أن ما سأذكره قد يكون صادماً للبعض ومحبطاً لهم ليس لأنه خطأ بل لأن الغرائز الدنيوية والشهوات الجسدية هي المتحكم الأول بنطق وخيال من يصيبه الإحباط ، فموضوعنا اليوم هو عن الغاية الأسمى والفوز العظيم ، وبعض السبل الهادية لها وحث المرء على أن يكون خيراً طامعاً لما طمع له العظماء بعيداً عن الشهوات الدنيوية ، فعندما بدأ الأنبياء والرسل بالهبوط من عالم الروح إلى عالم الكون والفساد لإخراج الناس منه رحمةً من الله ومنهم لم يعجب الناس مايبشرون به لمن إتبعهم وسار على نهجهم ، لأن آثار الخطيئة السابقة تلازمهم كما يلازم الشخص شيطانان يجريان منه مجرى الدم ، وكما ذكرت سابقاً الغرائز الحيوانية والشهوانية مازالت تأسر ناطقته، وخياله ، وذاكرته ، فأخذ المبشرين يضربون الأمثلة ويقربون لهم بالإشارات التي تتناسب مع قدرة إحتمال عقولهم رأفةً بهم ورحمه ،لينجذبوا إلى السراط المسقيم وطريق الخلاص والتطهير ، فما هي الغاية الأسمى والفوز العظيم ، الذي يشتاقه كل متأملٍ ذي عقل ، صحيح القلب سليم الرأي ، ويكرهه كل ذي جهل ، مريض القلب محباً للشهوات ، فنقول بأن الغاية الأسمى هي القرب من الله وأنبياءه ورسله والصعود لعالم الروح والريحان عالم القدس والملكوت الأعلى خالين من الأجساد وثقلها ومن الذنوب ووزرها ومن الآلام وحزنها ، نسبح بين الكواكب والأفلاك ونكون في كل شيء متصلين بالقوى القدسانية والأنوار الشعشعانية خالدين فيها أبدا ، في سعادة محضة نسبح بتسبيح سكانها ونستمع لصوت كواكبها وأفلاكها ، ذات النغمات البديعة والألحان اللذيذة ، فهذه هي الغاية الأسمى وهو الفوز العظيم ، عندما نعود لمنازلنا حيث كنا من أصحاب اليمين ، فبعد أن عجز عن الوصف حقيرٌ مثلي ، أترككم لهذه المقولات الروحانية والحروف التأملية ، بإستعراض بعض المقتطفات من أقوال بعض الأنبياء والأئمة والدعاة الصالحين ، فنبدأ بكلام خير الأوصياء علي ابن ابي طالب عليه السلام حتى تتضح الصورة في أن الغاية الأسمى لدى المؤمنين الصالحين هي القرب من الله سبحانه وتعالى والدنو منه ، وليس كما يطمع الطامعون أو يخاف الخائفون ، علماً أنه سيأتي أحدهم ليقول بأني أنكر الجنة والنار ،لا يهم ، فيقول الإمام علي عليه السلام :
[ إلهي ماعبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً بجنتك ، إنما وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك ]
فهل لك يا أخي أن تتخيل كيف يعبد الأحرار ربهم ! فأحياناً قد ترغب في نسف موضوعك الأصلي وتتوجه لمدح عظمة وعلوا شأن الإمام علي لكني
سأكتفي بما قال المتنبي :
* وتركت مدحي للوصي تعمداً
* إذا كان نوراً مستطيلا شاملا
* واذا استطال الشيء قام بنفسه
* وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا
فنعود لموضعنا لنطرح هذه النصائح والحروف التي هي من أعظم التعاليم التي خلدتها الصحائف والأقلام ، تعاليم هرمس الحكيم ، الذي هو النبي ادريس عليه السلام الذي رفعه الله مكاناً عليا .
تنويه - [ آتوم ]، إسم من أسماء الله سبحانه
فيقول الحكيم في الميلاد الجديد :
[ لن يصل أحد إلى الخلاص مالم يولد من جديد فطهر ذاتك من أدران المادة إن أردت أن تولد من جديد إن أولها الجهل ، وثانيها الحزن ، وثالثها عدم ضبط النفس ، ورابعها الشهوة ، وخامسها الظلم ، وسادسها الطمع ، وسابعها الخديعة ، وثامنها الحسد ، وتاسعها الخيانة ، وعاشرها الغضب ، والحادي عشر هو التهور ، والثاني عشر هو الحقد ، وينطوي تحت تلكم جميعها كثيرٌ غيرها ، تجبر الانسان الحبيس في سجن الجسد علي معاناة العذاب الذي تولده ولكنها تنزاح كلها برحمة آتوم ليحل الفهم ، هذه طبيعة الميلاد من جديد ، وهو الطريق الوحيد إلى الحقيقة ، وهو الطريق الذي اتبعه أسلافنا للوصول إلى الخير ، والإحسان القديم هو طريق إلهي مقدس على الرغم من صعوبة سفر الروح في الجسد ، وأولى خطوات الروح هي الحرب مع شهوات الجسد ، وهو صراع بين الوحدة والتعدد، فأحدهما يهدف إلى التوحد بينما يهرع الآخر إلى الانقسام فمن يولد من جديد يتوحد مع الأب الواحد الذي هو النور والحياة ، ولن ترى الرؤية العلية سوى بالإمتناع عن الكلام عنها ، فالعرفان سكون الحواس ، والذي يعرف جمال الخير والاحسان الأول لن يعلم سواه ، جمال الإحسان الذي سوف يجتذب لا يسمع شيئاً، ولن يحرك جسده ، وسينسى حواسه الجسدية ، بينما ينشغل عقله في فصل روحه عن الجسد، ليوحده مع الكائن الخالد أبدا فالإنسان لن يستطيع أن يصير ملاكاً طالما كان يعتقد أنه جسد فحسب ، فلابد له أن يتحول بجمال الإحسان الخالد حتى يصبح إلهياً ، الحكمة رحم الميلاد من جديد والحمل هو الصمت والبذرة هي الإحسان والذين ولدوا من جديد لم يعودوا كما كانوا من قبل ، فقد أصبحوا إلهيين ، أبناء آتوم الإله الواحد فهم يتسعون لكل شيء، وهم في كل شيء وليسوا من المادة في شيء ، فهم عقل محض والميلاد من جديد ليس نظرية يمكن أن تحاول دراستها ولكن بمشيئة آتوم سوف يذكرك فالمرء لا يأمل في معرفة آتوم إلا بضبط شهواته ، وترك الأقدار لتصنع ما تشاء بجسده الطيني ، الذي ينتمي الى الطبيعة وليس إليه وليس له أن يحسن حياته بالسحر، أو يعارض قدره بالقوة ، بل عليه أن يترك الضرورة لتسلك سبلها وذو البصيرة يرى كل الأمور حسنة مهما بدت لغيره سيئة ويرى كيف بادر الناس له بالمكائد في ضل معرفته بآتوم الذي هو وحده يحول الشر إلى خير ، وبالتأمل فقط سوف تدرك أن كل ما قلته لك صحيح ، ولن تدرك بغير ذلك ولن تصدقني فالإيمان ينبع من التأمل ، والكفر يصدر من قلة الفكر الكلام للتفكر في الأشياء حتى قرارها وحده لا يستطيع التعبير عن الحقيقة ، لكن قوة العقل فائقة ، وحين يقودها الكلام فإنها تجد سلام الإيمان الحق ولن تفهم تعاليمي إلا بقوة العقل لقد رسمت لك قدر استطاعتي شبها لآتوم ، ولو نظرت إليه بعين قلبك فسوف يقودك إلى معراج التعالي اولئك الذين رأوها وتأخذ بأيديهم ترشدكم الرؤيا ذاتها بالقوة المخصوصة بها والكامنة فيها ، إذ هي تتملك كالمغناطيس الذي يجذب الحديد من الأرض فهذه رحلة المعرفة ، فسارع إليها وبالرغم من صعوبة هجر المألوف للعودة الى المنزل القديم الذي منه نشأنا، إلا أن لطف آتوم سابغ ، وكرمه لا ينتهي إنه بطبيعته كالموسيقى الذي يؤلف توافقات الكون ، ويوحي الى كل فرد بإيقاعات موسيقاه فإذا كانت الموسيقى نشازا فلا تلم المؤلف ، بل أوتار القيثار التي ترهلت لتلوث جمال النغمات ، حتى أن عيوبها لاحظت أنه عندما يتعامل الفنان مع موضوع نبيل تصبح قيثارته منضبطة بشكل كبير لكي تنطق بأمجاد موسيقية تدهش سامعيه ، واعترف أن الأمر كان كذلك معي رغم ضعفي ، وصارت موسيقاي جميلة بقوة آتوم ، وكذلك سوف تصبح موسيقاك كاملة ليس هنالك تنافر بين سكان السماء ، فليس لهم سوى غرض واحد ، وعقل واحد ، وشعور واحد ، حيث تربطهم تميمة الحب في كل متناسق ، وسوف يبدو لهم الجانب الأرضي من الكون وقحاً وغثاً بدون ألحان التسابيح الحلوة ولهذا أرسل آتوم جوقة ملائكة الغناء لتعيش بين بني البشر وتلهمهم بالموسيقى حتي يمجدوا الله بالتسابيح مع أناشيد السماء ، فلنسبح بحمد آتوم بعرفانٍ عميق ، فإنه يقبل كلمات الحمد ] "
، فما أعظم هذه النصائح وما أعظم هذه البشارة ، فتحتار في العين دمعة وفي الحلق غصة حباً وشوقاً لما صورته المخيلات ، فلنكمل بما قاله المسيح عليه السلام للحواريون أتباعه حيث قال :
[ إنما جئتكم من عند ابي وابيكم لأحييكم من موت الجهالة واداويكم من مرض المعاصي وأبرئكم من مرض الأراء الفاسدة والأخلاق الرديئة والأعمال السيئة كيما تتهذب نفوسكم وتحيا لروح المعارف وتصعدوا لملكوت السماء عند أبي وابيكم فتيعشوا هناك عيش السعداء وتتخلصوا من سجن الدنيا وآلام عالم الكون والبلى التي هي دار الأشقياء وجور الشياطين وسلطان إبليس ] "
ولنعرض بعض ما ذكره صاحب الرسائل عليه السلام فقال :
[ " لو كانوا يعلمون أبناء الدنيا الذين يريدون الحياة الدنيا ، ويتمنون الخلود فيها يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ، وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر فأعيذك أيها الأخ أن تكون منهم ، بل كن من أبناء الآخرة وأولياء الله الذين مدحهم بقوله تعالى توبيخاً لمن زعم أنه منهم فقال جل جلاله -:" قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء الله من دون الناس، فتمنوا الموت إن كنتم صادقين " فبادر يا أخي واجتهد في طلب المعارف الربانية واكتساب الأخلاق الملكية ، وسارع إلى الخيرات من الأعمال الزكية قبل فناء العمر وتقارب الأجل ، واغتنم خمساً قبل خمس ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اغتنم فراغك قبل شغلك ، وغناك قبل فقرك ، وصحتك قبل سقمك ، وشبابك قبل هرمك ، وحياتك قبل موتك ، وتزود فإن خير الزاد التقوى ، فلعلك توفق للصعود إلى ملكوت السماء وسعة الأفلاك ، وتدخل إلى الجنة عالم الأرواح بنفسك الزكية الروحانية لا بجسدك الجثة الجرمانية ، وفقك الله أيها الأخ للسداد ، وهدانا وإياك للرشاد وجميع إخواننا حيث كانوا في البلاد إنه رؤوف بالعباد ]
ويقول الحكيم المؤمن فيثاغورس مخاطباً تلميذه ديوجانس في وصيته الذهبية :
[ اذا فعلت ماقلت لك ياديوجانس وفارقت هذا البدن حتى تصير نحلا في الجو فتكون حينئذ سائحاً غير عائد الى الانسانية وغير قابل للموت ]
ويقول الفيلسوف الموحد ارسطاطاليس :
[ إني ربما خلوت بنفسي كثيرا ، وخلعت بدني فرصت كأني جوهر مجرد بلا جسم ، فأكون داخلاً في ذاتي وراجعاً إليها ، وخارجاً من سائر الأشياء سواي ، فأكون العلم والعالم والمعلوم جميعاً ، فأرى في ذاتي من الحسن والبهاء مابقيت متعجباً ، فأعلم عند ذلك بأني من العالم الشريف جزؤٌ صغير ، فإني لمحيا فاعل ، فلما أيقنت بذلك ، ترقيت بذهني من ذلك العالم الإلهي ، فرصت كأني هناك متعلق بها ، فعند ذلك يلمع من النور والبهاء ، مايكل الألسن عن وصفه والإذعان عن سمعه ، فإذا استغشي في ذلك النور وبلغت طاقتي ، ولم أقوى على إحتماله ، هبطت في عالم الفكرة ، فحجبت عني الفكرة ذلك النور ، وتذكرت عند ذلك أخي يرقليطوس ، من حيث آمر بالطلب والبحث عن جوهر النفس الشريفة بالصعود إلى عالم العقل ] "
ولنتدبر دعاء الفارابي حين دعا ربه قائلاً :
[ اللهم ألبسني حلل البهاء وكرامات الأنبياء وسعادة الأغنياء وعلوم الحكماء وخشوع الأتقياء ، اللهم انقذني من عالم الأشقياء والفناء وإجعلني من إخوان الصفاء وأصحاب الوفاء وسكان السماء مع الصديقين والشهداء ]
وأيضاً لا ننسى النصيحة العظيمة التي قدمها الشيخ الرئيس إبن سينا قدس الله روحه فيقول :
[ ليكن الله تعالى أول فكرٍ له وآخره ، وباطِن كل اعتبار وظاهره ولتكن عينُ نفسِك مكحولةً بالنظر إليه ، وقَدمها موقوفةً على المثول بين يديه ، مسافِرًا بعقله في الملكوت الأعلى وما فيه من آيات ربه الكبرى ، وإذا انحط إلى قراره ، فلينزه الله تعالى في آثاره ، فإنه باطنٌ ظاهر ، تجلى لكل شيءٍ بكل شيءٍ ، ففي كل شيءٍ له آية تدل على أنه واحد ، فإذا صارت هذه الحالة له ملكة ، انطبع فيها نقشُ الملكوت ، وتجلى له قدس اللاهوت ، فألِف الأُنسَ الأعلى ، وذاق اللذة القصوى ، وأخذه من نفسه من هو بها أولى ، وفاضت لها السكينة ، وحُقَّت لها الطمأنينة ، وتطلع على العالم الأدنى اطّلاع راحمٍ لأهله ، مستوهِن لِحبله ، مُستخفٍّ لثقله ، مستخشٍ به لعُلقه ، مُستضل لطرقه ، وتذكر نفسه وهي بها بهجة ، وببهجتها بهجة ، فيعجب منها وتعجبهم منه ، وقد ودعها ، وكان معها كأن ليس معها ، وليعلم أن أفضل الحركات الصلاة ، وأمثل السكنَات الصيام ، وأنفع البر الصدقة ، وأزكى السّر الاحتمال ، وأبطل السعي المراءاة ، ولن تتخلص النفس عن الدرن ، ما التفتت إلى قيلٍ وقال ، ومنافسة وجدال ، وانفعلت بحالٍ من الأحوال ، وخيرُ العمل ما صدر عن خالص نيّة ، وخيرُ النية ما ينفرج عن جنابِ علم ، والحكمة أم الفضائل ، ومعرفة الله أول الأوائل ، إليهِ يصعد الكَلِمُ الطيب والعمل الصالح ، يرفعه كذلك يهجر الكذب قولاً وتخيلاً حتى تحدث للنفس هئية صدوقة فتصدق الأحلام والرؤيا وأما اللذات فيستعملها على اصلاح الطبيعة وإبقاء الشخص أو النوع وأمّا المشروب فيهجرُ شربُه تلهيا لا تشفيا وتَدَاويا ، ويعاشر كل فرقةٍ بعادته ورسمه ، ويسمح بالمقدور والتّقدير من المال ، ويركب لمساعدة النّاس كثيرًا ممّا هو خلاف طبْعه ، ثم لا يقصّر في الأوضاع الشرعية ، ويعظم السُّنن الإلهيّة ، والمُواظَبَة على التعبدات البدنيّة عاهد الله أن يسير بهذه السيرة ويدين بهذه الديانة والله ولي الذين آمنوا وهو حسبنا ونعم الوكيل ]
فبعد أن علمنا كيف يتصور العظماء بشارتهم أما آن لنا أن نغير نظرتنا لما نطمع ونسعى للتغير فيكفينا حباً للشهوات ويكفينا تمنياً لها في عالمٍ خليٍ منها ، عالم لا يخطر على بال بشر ، فاللهم ألحقننا بالعالم الروحاني و المحل النوراني وارزقنا منهم الرفيق الأعلى واللهم أخرجنا من هذا العالم البالي الفاني الكدر الظلماني والكثيف الجسماني إيانا وجميع المؤمنين إخواني برحمتك يا ارحم الراحمين ، وأهدي لجميع من يقرأ الآن هذا الدعاء العظيم دعاء " تنوير القلب " ووفقنا الله وإياكم وأرشدنا لسواء السبيل بحق محمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين .
[ دعاء تنوير القلب ]
﷽
اللهم إني أعلم ان لك نسمات لطف إذا هبت على مريض عقل شفته ولك نفحات عطف إذا توجهت الى أسير هوى أطلقته وإن لك عناية إذا لاحظت غريقاً في بحر الهيولى أنقذته وإن لك رحمة إذا أخذت بيد شقي أسعدته وإن لك لطائف إذا ضاقت الحيل بالمذنب وسعته فأهب اللهم علي من لطفك نسمة يشفى بها مرض عقلي وإنفحني من عطفك نفحة تطلق بها أسري من هوى أهوائي وألحظني من عنايتك ملاحظة تنقذني من بحر ضلالتي وآتني من لدنك رحمه تبدلني بها سعادة من شقاوتي وأعطني من كرمك ماترزقني الإنابه إليك مع صدق اللجأ وأهلني لقرع باب جودك حتى يتصل قلبي بما عندك وترفع يد سؤالي بالإبتهال لطلب معرفتك وأتخذك مفزعاً أرفع إليك حاجتي وأعتمد عليك في جميع حالاتي برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم عليهم اجمعين .
بنج ..
الجمعة، 18 ديسمبر 2015
العشق
الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015
حجر الفلاسفة وكيف يصير البراني جواني
نبدأ هذه المقالة بإسم الله الرحمن الرحيم ، ونسأل هل سمعت بحجر الفلاسفة من قبل ؟ على الغالب نعم فهو أشهر من نارٍ على علم لكنه أقرب مايكون للأسطورة لذلك لا يعطيه بالاً ، فقد عرض هذا الإسم الغامض ، بإسم حجر الفيلسوف في الفليم الشهير
[ هاري بوتر وحجر الفيلسوف ]
harry potter and philosophers ston
وأيضاً كان حجر الفلاسفة المحور الأساسي في أحد الإنميات اليابانية تحت إسم
[ المعدني الكيميائي الكامل ]
fullmaetal alchemist
وأتى هذا الأنمي الكيميائي بأن حجر الفلاسفة هو غاية جميع الخيميائيين حيث أنه يكسر كل قوانين الطبيعة ، لكنها تبقى مجرد قصص خيالية ، أما لو أتينا للواقع فقد كانت جميع الحضارات البشرية تبحث عن هذا الحجر السحري حجر الفلاسفة وعن إكسير الحياة ، فلنذكر أولاً أشهر الكيميائيين المعروفين لدى الغالبية ، فكان من الذين بحثوا بحفواةٍ عن هذا الحجر هو العالم الشهير في وقتنا الحاضر [ إسحاق نيوتن ] فقد كان كيميائياً ففي عام 1940 م ، وجد [ جون ماينارد كنيس ] صندوقاً يحتوي على أوراق خاصة لإسحاق نيوتن كان يدوّن فيها محاولاته اللانهائية للبحث عن حجر الفلاسفة ، وأيضاً كانت هنالك محاولات من بعض الخيميائيين في الحضارات السابقة ، فقد إرتبطت الخيمياء بهذا الحجر والخيمياء علم شريف منذ القدم وقد اختلفت مسمياته مابين chio ، وشامان ، وchem ، وكمت ، حتى وصلنا لكلمة chemis وهي تدل على السيمياء التي عرفها المصريون القدامى ، وقد كانت الكيمياء عملاً محرماً لدى العامة ، ولدى تجار الدين من الكهنوت الديني وينسبونه للسحر والشعوذة والكفر ، وأنها أعمال شيطانية تتعدى على حقوق الله بتحويل صنعته وخلقه لشكل آخر ، وأيضاً في 140 م.ق في زمن الإمبراطور الصيني الشهير [ ووتي ] إنشغل الخيميائيون في عهده بالبحث عن حجر الفلاسفة أو إكسير الحياة ، الذي كان يطلق عليه اسم [ التان ] وسعوا جاهدين لصنعه لكن بائت جميع محاولاتهم بالفشل ، وأيضاً تعمقت الحضارات الإغريقية كذلك في صناعة الكيمياء وأيضاً الحضارات الغربية القريبة حاولت صناعته ، وقد قال : [ مارشال بيتر ] مؤلف كتاب حجر الفلاسفة ان رجلاً إدعى انه إكتشف حجر الفلاسفة قد زار عالماً سويسرياً يدعى [ جوهان هيلفيتس ] عام 1666 م وترك قطعةً صغيرة منه للعالم كي يحللها وغادر على وعد أن يعود إليه لكي يوضح له كيف له أن يصنع حجر الفلاسفة ، وبعد أن قام العالم السويسري باستخدام قطعة الحجر في تحويل نصف أوقية من الرصاص إلى ذهب نقي ، لم يعد الزائر الغامض مرة أخرى لكي يكشف للعالم السويسري كيف يمكنه صنع حجر الفلاسفة ، وبينما ظن البعض أن حجر الفلاسفة يصنع من الدماء ويكون بقدرته السحرية إكسيراً للحياة وقد ظن البعض أنه مصنوع من الزئبق ، ولذلك شرب الإمبراطور الصيني [ تشين شي هوانق ] الزئبق وتوفي على أثره متأملاً حياة الخلود ، وبعد ان إستعرضنا وجود الكيمياء وأكسير الحياة في حضارات البشر لنتكلم عن معتقداتهم ، وعن حجر الفلاسفة فنقول حجر الفلاسفة بكل بساطة هو حجر سحري يحول أي معدن إلى ذهب أو فضة ، أو أي معدن خسيس إلى معدن نفيس ، وهو حجر يصنع منه إكسير الحياة لأطالة عمر الجسد وشفائه من كل الأسقام ، ولم يرى أحد الحجر هذا ، لكنهم تخيلوا انه قطعة من حجر نفيس ، بل أعتقد أكثرهم أن له خاصية سائلة و كانت أغلب الظنون أن حجر الفلاسفة هو مسحوق أسطوري أحمر اللون لذلك كانت فكرته تداعب عقول البشر وكان محل إهتمام الشعوب كافة وخصوصاً الملوك وأصحاب الرتب الدنوية العالية ، ولك أن تصدق ولك أن تكذب ، لكن دعونا نتكلم عن قوى بعض الأحجار الاخرى بعيداً عن حجر الفلاسفة ، فكما نعلم بأن هنالك أحجار عدة لها قوى روحانية سحرية عجيبة وكأقرب مثال حجر [ الهبهاب ] ! فهو أقرب مايكون لحجر سحري لا أحد يعلم له سراً وله قوى روحانية شديدة ، ولو رأيت كيف أنها تخرج منه دماء حية لتعجبت وتسائلت كيف صنع ومما صنع ، ويكون الحجر حاراً كحرارة الدم الحي ويتم الحصول عليه بين أنقاض الآثار القديمة ، ولكنها في الغالب تكون مطلسمة بطلاسم سحرية ، ويمكن الكتابة به فهو يخط على الصفائح البيضاء ، وهو حجر أقرب مايكون استخدامه للشر والخبث ونعوذ بالله من كل شر ، ولنطرح مثالاً آخر عن بعض قوى الأحجار ، فعرق السواحل حجر روحاني له قدرات عجيبة أيضاً لا يسعنا ذكرها وهو أنواع وأقرب مايكون للتكذيب عرق السواحل القنفذي ، الذي ينتجه القنفذ بأكله أفعى شديدة السمية عندما يحتاج لقوة هذا الحجر لأي سبب من الأسباب ، ويتم الحصول عليه بالخلسة ، قبل أن يُبطل القنفذ مفعولة بطريقته الخاصة عندما ينتهي منه ، وأيضاً هناك حجر خرز الحية و تاج الأفعى ، أو مايسمى في تراثنا النجراني القديم ربما البعض سمع بها من أحد كبار السن [ لولوة المنا ] فلها قدرات روحانية عجيبة وتستخرج من الأفاعي وقت تزاوجها وتكون إما خرزتين ذكر وانثى ويتم الحصول عليها بطرق خاصة لا يعرفها إلا أناس مختصون وقلة ، وتستخرج من ذكر الأفعى ، أو تكون خزرة واحدة ينتجها الداب بأكله مئات الأفاعي السامة ، فتصبح ثقيلةً في بطنه فحينما يتعب من المشي يخرجها ليرتاح قليلاً وهذا الحجر يكون مضيئاً في الليل كالفسفور ، أو يستخدمها ليغري فرائسة من القوارض بنوره ، فإن صدف ووجدتها قبل أن يبتلعها وقتلته حصلت عليها ونلت منافعها ، وغيرها الكثير من الأحجار ذات القوى الروحانية كالعقيق والسليماني وغيره ، والآن لنعود للخيمياء وزبدة موضوعنا وفن التلاعب بالمعادن أو المواد لكن بمحدودية أكثر فكما قلنا على مر التاريخ سعى القدماء لصنع مايسمى بحجر الفلاسفة الذي تكلمنا عنه في البداية ، وقد تراه شيئاً خرافياً أو شيئاً لا يصدق ، لكن لو نظرت بحيادية لوجدت أنك تؤمن بهذا الشيء حق الإيمان ، فلتقل كيف ذلك ؟! فنقول بأننا جميعنا كمسلمين أو كمسيحيين أو كيهود نعلم أن في حضاراتنا الدينية أن قارون الذي جاء ذكره في القران يحول التراب الى ذهب ، والبعض يقول بأنه عرف إسم الله الأعظم فتمكن من ذلك ، ولكن في القران الكريم ذُكر أن الله أتاه علماً ، ومن هنا أُخذ أنه يحول التراب أو أي معدن إلى ذهب ، ولو نظرنا إليها بالمنطق ، سنعلم أن الله لن يُنزل من السماء جبالاً من الذهب ليستقبلها قارون ، أو أن يأتي قارون ثم يدعوا الله فيتحول جبل من تراب إلا جبل من الذهب ، لذلك الله سبحانه وتعالى لم يعطي قارون الذهب جاهزاً ، كما أن الله سبحانه وتعالى لن يعطيك الخبز محمصاً ومحشواً بالجبن والعسل ، بل يجب أن تزرع وتحصد وتطحن وتعجن وتطبخ ، ثم لو نظرنا لهذه الفكرة من بابٍ خيميائي لوجدنا أن أنواع المعادن النفيسة تكونت طبيعياً بعد آلالاف السنين تحت الضغط بفعل اليبوسة والحرارة أو الرطوبة والبرودة ، أو الحرارة والرطوبة أو البرودة واليبوسة ، فماذا لو إستطعت أن تعلم كيف تكونت بالتفصيل وبمعادلات خيميائية إستطعت أن تسرّع من عملية تكوينها ، فهنا كل ماتحتاجه هو الزئبق والكبريت كما أورد أصحاب المعرفة ، أما الحرارة والرطوبة واليبوسة والبرودة فسهلٌ عليك تسخيرها ، ولننظر لأقوال الفلاسفة والحكماء السابقين والاخرين بأن أصل كل معدن زيبق وكبريت ، بل تخطوا ذلك وقالوا بأن كل مادة متكونة من العناصر الأربعة ، أو ماتسمى في عالم الفلسفة الأركان الأربعة ، أو الأمهات الأربعة ، أي أنها أم المولودات الثلاثة ، التي كان المعدن أول مولدٍ لها ، والأمهات الأربعة هي النار وهو حار يابس ، والهواء وهو حار رطب ، والتراب وهو بارد يابس والماء وهو بارد رطب ، فلو إستطعنا التلاعب بالعناصر الأربعة لإستطعنا تحويل أي شيء نريده إلى مانريد ، ولو إستطعنا التلاعب بالزيبق الذي بسببه تسمم مئات الخيميائيين عند محاولاتهم ترويض هذا العنصر العجيب لصنع الحجر ، وتلاعبنا بالكبريت وفككنا ترابطها وأعدنا ترتيبها لإستطعنا أن نغير تكوينها من معادن رخيصة إلى معادن نفيسة أو العكس ، ومن هنا أقول وأجزم بأن حجر الفلاسفة موجود ، وقد أتى لذكره جابر بن حيان أبو الكيمياء ، وهو تلميذ مولانا جعفر الصادق صلوات الله عليه وقد أسماه مولانا جعفر [ بجابر قلوب المنكسرين ] حين قال : عن نفسه [ سُميت جابر لإني جبرت العلم وأهله من البيان التام ] ، والقصة أن جابر أراد أن ينسب هذا العلم البديع لأستاذه لكن مولانا جعفر الصادق عليه السلام رفض ذلك ودعى له واثنى عليه ، ولسيدنا جابر مايقارب ثلاثة آلاف مؤلف لكن للآسف الشديد كانت الخيمياء في وقته محض سحر وشعوذة وقد كُفر ولعن وأحرقت كتبه ، من قبل أباطرة الدين الظاهري أعداء العلم والمعرفة ، ولجابر صنعة [ الماء الملكي ] ليعيد إسترجاع الذهب الذي إستطاع بذكائه أنه يخفيه في أسلاك من المعدن وهذا الماء الملكي يتميز بأنه يذيب الذهب ، ومازال يستخدم حتى وقتنا الحاضر ، والآن لنعد لحجر الفلاسفة فحجر الفلاسفة أو ما أسماه جابر ابن حيان
[ ” بالحجر الكريم المكرم المثلث الأركان ” ] ، وهو حجر يحوّل المعدن إلى ذهبٍ أو فضة وأشياء أخرى ، وكان هذا العلم الشريف وعلم الخيمياء من دروس مولانا جعفر الصادق صلوات الله عليه ، كما ذكر جابر عند شرح صناعة هذا الحجر حيث قال وهو يشرح :
[ ” كما أمر سيدي صلوات الله عليه “] ومن هنا بتنا نعلم بأن هذه كانت تعاليم مولانا جعفر ابن محمد الصادق صلوات الله عليه ، وعلى كل حال حتى لو قرأنا شرحه فلن نصل لحل رموزه إلا من شاء الله له ورزقه بهذا العلم الشريف ، فقد قال مولانا جعفر صلوات الله عليه لجابر حينما عرض عليه كتابه وأراد أن ينسبه لمولانا جعفر :
[ هذا كتابك جنة الخلد ينعم فيها البايس والفقير والمضطر ، وكذلك ذهب عنك كل تعب ونصب بإذن الله تعالى ويعلم الطريق الخالدي للاصباغ وينال القطوف الدانية والأنهار الجارية والأتمار ” ] لذلك أيقنت أنه لن يصل لفك رموزه إلا من إستحقه بفضلٍ من الله سبحانه ، ويقول أيضاً جابر عن صناعة هذا الإكسير العجيب : [ أشرت لما في هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا يقربه وقد بينت لك الذي أخفوه الحكماء من الورق ، ودفنوه في رموزهم من الألفاظ واتيتك بمظهر وبينت لك الطرقات جميعها على هذه المباقل لكن الناس لا يفهمون كل منا فظنوا وظلوا والان نعود الى ما كنا من ذكر التدابير القريبة والأحوال العجيبة من أحوال الحجر ] ، فلذلك يستحيل أن يترك هذا الفيلسوف الحكيم فرصةً صغيرة يستغلها أهل الباطل للدخول لهذا لهذه الجنة الكيميائية الشريفة ، ولن يقدر على حل هذه المعادلات إلا ذوي الرتب العالية من أهل الحق والخير ، وأما بشأن قدرة هذا الحجر العجيب لابد أن نأتي بطرف بسيط من شروحات الداعي الأجل لنبين بعضها ، فقد قال فيها :
[ ان اسقيته من الماء الأحمر بعد ذلك سبع سقيات واحد منه على ثمانية الاف من الاسرب أو من القمر يعود ذهباً ابريزاً وان القي منه على الزجاج صبغه ياقوتاً أحمر ، وان القي منه في أول سقيه فإنه يصبغ الف ومائتان من الفضة ذهباً ابريزا ] ” وبعد أن فرغنا من تعريف هذا الحجر السحري العجيب ، وبينا قواه الخيالية وإستعرضنا في البداية بعض تجارب البشر في محاولة صنعه ، وطرحنا نبذةً عن صاحبه ومحتضنه وصانعه ، فلابد أن نبين هذا القول لجابر ابن حيان فيقول : [ ” وهذا العمل المكتوم اذا فتشت عليه لم تجده في كتب الحكما لا من الأولين ولا من الاخرين فأفهم هذا التفصيل فهو راجع اليكم فوالله الذي فاق السماوات بقدرته والجبال بأمره انك لن تجد أحد من الأولين ولا من الاخرين تكلم بمثل ماتكلمت به فأعرف قيمة ماوصل إليك وكن أهله ومستحق له وهذا عهد الله قلدتك اياه ] ” فلذلك كان جابر أول من أتى بذكر هذا العلم اللطيف من الأولين والاخرين حيث وثقه لنفسه وشرح غموضه وطريقة صناعته وهي أقرب ماتكون للخيال لكن العلم لا خيال فيه ولا مستحيل ، وفي النهاية أتمنى أني لم أطل الحديث في شيء غير ضروري ولكن بقي أن أبين معنى عنوان هذه المقالة[ كيف يصير البراني جواني ] فالبراني هو ظاهر الشيء أي خارجه ، والجواني هو باطن الشيء أي داخله ، وقد ذكر هذه الجملة جابر في نهاية شروحاته حيث قال :
[ ” فهذا زعمنا بأن البراني يصير جواني “]
أي هذا زعمنا بالقدرة على التلاعب بظاهر المعادن وباطنها ، لذلك لا أحد كجابر في الخيمياء ولن تلد الأرحام من يفوقه في صنعته ، والصلاة والسلام على مدينة العلم محمد ابن عبدالله وعلى بابها علي ابن أبي طالب صلاةً سرمدية ، وعلى آلهما الطيبين الطاهرين وعلى الائمة من نسلهم أجمعين فهم والله أهل العلم ومفيديه والسلام عليكم ورحمة الله .
قول إبن سينا في حي بن يقضان
ماغاب عن الكثيرين حتى يومنا الحاضر ، من قصة حي بن يقضان ، تلك القصة التي تعادل ألف كتاب ، التي لاقت إنتشاراً واسعاً وشعبية كبيرة ، فكان خلاصتها في جزء بسيط كان خارج اطار الكتاب نفسه فيقول إبن سينا قدس الله روحه :
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ حي بن يقضان لولا تغربي إليه بمخاطبتك منبهاً إياك لكان لي به شاغل عنك ، وإن شئت اتبعتني إليه والسلام .
بنج