السبت، 30 يناير 2016

شرح القصيدة العينية لإبن سينا

بسم الله الرحمن الرحيم ، أحببت اليوم إضافة
هذه المقالة ، وهي شرح للقصيدة العينية للشيخ
الرئيس وامير الأطباء ابن سينا وتحكي لنا حال النفس وهبوطها للبدن ، ثم عودتها لعالمها الأول ،
*
تنوية / الشرح مجرد إجتهاد شخصي من جاهل
مثلي ، بحسب ماتوصل إليه عقله البسيط ولامسته
نفسه فأتمنى أن لا يؤخذ بعين الإعتبار ، والمقصد
هو تشويق النفس لعالمها الأول والبعد عما يقلل من
شرفها ويثقل كاهله من الركض خلف الدنيا الفانية
فألهمنا الله وإياكم بروح منه تسموا بنفوسنا من عالم
الكون والفساد لعالم الروح الذي هو خير معاد ..
_______________
 

___________________________

1-
هبطت إليك من المحل الأرفع 
ورقاء ذات تعزز وتمنع 

هبطت اي النفس هبطت إليك إلى جسدك
، المحل الارفع هو العالم العلوي عالم القدس
وهو عالم الأرواح الذي أبدعه الباري سبحانه
ورقاء ( الحمامة الرمادية أو الخضراء وقد وردت
بعض النصوص لافلاطون في كتاب طيماوس
يقول : إن علة هبوط النفس إلى هذا العالم سقوط
" ريشها ، فإذا ارتاشت ارتفعت لعالمها الأول "
فنلاحظ تقارب التشبيه بين القولين .
ذات تعزز وتمنع لرفعتها وشرفها ونورانيتها
ومكانتها في مكانها السماوي العالي الذي نشأت فيه 

__________________________  


2-
محجوبة عن كل مقلة عارف
وهي التي سفرت ولم تتبرقع


السفر هو كشف الوجه والتبرقع هو ستره
فبما أن النفس جوهرة روحانية نورانية شفافة
شريفة كما قال أفلاطون :
" إن النفس جوهر شريف سعيد .. الى اخر ماذكر "
فكانت محجوبة عن مقلة عين كل عارف ، لإنها
كانت قبل هبوطها متجردة من المواد فلا يمكن أن
ترى بالعين الهيولانية أي المادية  .

__________________________

3-
وصلت على كره إليك وربما
كرهت فراقك وهي ذات تفجع 

أي وصلت لهذا البدن كرهاً وجبراً لإنها سماوية
شريفة والبدن أرضي خسيس فشتان بينهما ، 
وربما كرهت فراقك وهي مفجوعة أي بعد أن تأنس له وتنغمس في لذاته وشهواته فتكره الخروج منه 
ونلاحظ كلمة ربما ( أي أن الإنسان العالم الفاضل 
لن تكره نفسه الخروج من بدنه لدرايته بمبدأه ومحله
الشريف فيأمل طول حياته الصعود إلى عالم النور الروح وترك هذا البدن الفاني والعالم الظلماني 
وقد وروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام
أنه قال : إن روح آدم عليه السلام لما أمرت أن تدخل
فيه كرهته ، فأمرها أن تدخل فيه كرهاً وتخرج كرهاً "

___________________________

4-
أنفت وما أنست فلما واصلت 
ألفت مجاورة الخراب البلقع

كما ذكرت في شرح البيت الثالث
وأنفت أي أعرضت عن الدخول الى البدن
إحتقاراً له لعدم المناسبة والفرق الشاسع
بينها وبينه ، فلما واصلت أي استمرت في 
وإتصالها به ، ألفت أي تآلفت معه بعد أن
كانت أنفةً عنه ، في مجاورة الخراب البلقع  
أي البدن والأرض فهي خراب لأنها مواد بدايتها
كون ونهايتها فساد ولهذا سُميت الأرض بعالم الكون والفساد ، البلقع وتعني المكان الخالي من كل
شي وهو تشبيه جميل جداً لإن المكان الخالي أقرب مايكون إلى العدم من الوجود  .

_________________________


5-
وأظنها نسيت عهوداً بالحمى
ومنازلاً بفراقها لم تنقع

أنستها الدنيا والمواد الظلمانية والشهوات الجسدية
عهودها السابقة وأنفها وعزتها ومنازلها الروحانية الرفيعة التي أُهبطت منها مع أنها كانت غير مقتنعة بفراق عالمها الروحاني الشريف لما فيه من البهاء والجمال والشرف

_______________________

6- حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها
في ميم مركزها بذات الأجرع

حتى اذا اتصلت بـ ( هـ ) هبوطها
الهاء هنا رمز لشيء ما وتتصل به
في ميم مركزها الذي يكون رمزاً لشيء
آخر فلا يكون الاتصال بـ ( هـ ) إلا في 
ميم وهو ( بذات الأجرع ) والأجرع
في اللغة الأرض ذات الخشونة . 

( الألفية )
___________________________

7-
علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت
بين المعالم والطلول الخضع

علقت بها المادة الظلمانية الثقيلة عليها
حيث تحجبها وتلغي خفتها وتحصرها
في المكان والزمان وفي البدن الذي شبهه
بالمعالم والأطلال الخضع أي البالية المضمحلة

__________________________

8-
تبكي إذا ذكرت عهوداً بالحمى
بمدامع تهمي ولماّ تقلع

بعد اتصالها بهاء هبوطها بدأت تتذكر
عهوداً بعالمها الأول فتبكي بغزارة دون
توقف ، وهنا يجب أن نعلم أن المقصود
هنا هي النفس الزكية التي استطاعت
أن تتذكر عهودها ومعرفة خطيئتها التي
سببت الهبوط

____________________________

9-
وتظل ساجعة على الدمن التي
دُرست بتكرار الرياح الأربع

تظل ساجعة من سجع الحمام أي نواحها
على الدمن والدمن هنا ما كان ظاهرة جميل وباطنه
قبيح ويقصد البدن التي درس أي تكون بتكرار
الرياح الأربع  ، والمقصود هنا الاسطقسات
التي هي الامهات الاربعه : النار الهواء الماء التراب
وهي امهات المواليد الثلاثة : المعدن النبات الحيوان
( خرس ، ونطق )
أو قد يقصد الأخلاط الاربعة التي هي أساس
ودعائم البدن وهي البلغم والدم والمرتان الصفراء والسوداء

_________________________

10-
إذا عاقها الشرك الكثيف وصدها
قفص عن الأوج الفسيح المربع

أي اذا عرقلها الشرك الكثيف اي الشراك الغليظة
القوية وهي الشهوات المادية والقفص هو البدن لانه يأسر النفس فلا تغادره إلا حين يأتي أجلها المسمى
الاوج الفسيح المربع والمربع هنا تشبيه جميل وهو المكان الذي يقصده الناس في الربيع ليأنسوا فيه لإعتداله وجماله ويقصد السماء الواسعة 

_________________________

11-
حتى اذا قرب المسير الى الحمى
ودنا الرحيل الى الفضاء الاوسع

حتى اذا قرب سيرها وتهيأت لتكون
قادرة على الرحيل الى الحمى وهو المكان 
الذي هبطت منه عالم الملك والملكوت في الفضاء
الأوسع أي في سعة الأفلاك والكواكب 

________________________

12-
سجعت وقد كُشف الغطاء فأبصرت
ماليس يدرك بالعيون الهجع

هجعت أي استوت في سيرها واستقامت
لا تميل عن قصدها ، وقد كشف الغطاء أي
كشف لها مالا يدرك بالحس وأصبحت عالمة
باللا حس والمثل والممثول وغيرها من العلوم
الشريفة 
__________________________

13-
وغدت مخالفة لكل مخلف
عنها حليف الترب غير مشيع

أصبحت تخالف كل مايزيدها جهلاً وظلاماً
حليف الترب أي تخالف شهوات ومتطلبات
البدن الترابي حليفها وهي غير مشيعه له
ولا تكون في صفه ووتبعه
__________________________

14-
وبدت تغرد فوق ذروة شاهق
والعلم يرفع كل مالم يرفع

وبدت تغرد في رتبتها العالية 
والعلم يرفع كل مالم يرفع وهنا يحث على
طلب العلم لإنه من يرفع الإنسان ويعزه 

___________________________

15-
فلأي شيء أهبطت من شامخ
سام الى حفر الحضيض الأوضع ؟

بعد الحث على طلب العلم يأتي هنا التساؤل
على النهج السقراطي والسياسة السقراطية 
فيقول لماذا أهبطت النفس من عالمها الروحاني
السامي الى الأرض في الحضيض الوضيع

___________________________

16-
إن كان أرسلها الإله لحكمة
طويت عن الفطن اللبيب الأورع

أي اذا كان الإله أهبطها لحكمة منه وطويت حتى
عن الفطين اللبيب الأروع من الروع وهو ذكي القلب
أي اذا كانت الفطين لم يعلم لما اهبطت اصلاً

___________________________

17-
فهبوطها ان كان ضربة لازم
لتكون سامعة لما لم تسمع 

فهبوطها إن كان ضربة لازم أي لشيء
لزم فيه الهبوط لتكون سامعة لما لم تسمع
هنا تأتي الإجابة ! أي أذا كان الفطن لا يعلم
لما ارسلها الإله ثم علم مع مرور الوقت فهنا هي
هبطت لتسمع مالم تسمع اي لتقر بما لم تقر به
وتعمل بما لم تعمل به وهذا سبب هبوطها الى العالم المادي حتى تسمع من جديد وتقر به لتصعد من جديد ولا أراهاإلا رحمة منه سبحانه وتعالى 

___________________________

18-
وتعود عالمة بكل خفية
في العالمين فخرقها لم يرقع

فتعود من بعد اتصالها بالبدن وهي تعلم بكل خفية وبكل شيء لم تسمع له سابقاً ، لإن لا سبيل لها في في اكتساب المعارف والعلوم بعد أن أهبطت إلا عن طريق إتصالها بالبدن ، فخرقها لم يرقع أي مازلت
تحمل بعض الثقل والأدران 

___________________________

19-
وهي التي قطع الزمان طريقها
حتى لقد غربت بغير المطلع

أي إن بقية الأدران قطعت مسير صعودها
حتى غربت بغير المطلع أي أنها غربت بغير
مطلعها ومقصدها وهو عالمها الأول ، حتى تتطهر
من بقية الذنوب والأدران كي لا تعود له إلا وهي طاهرة تماماً ومهيأة للدخول اليه 

___________________________

20-
فكأنها برق تألق بالحمى
ثم إنطوى كأنه لم يلمع

فهنا يشببها بالبرق المتألق في السماء
حيث انه يضيء ثم ينطوي كأنه لم يضء
وهو انها اتصلت بالعالم الجرماني فالنجوم
تضيء ثم تخفت وتظهر وتختفي حتى تتطهر
ثم تكمل مسيرها نحو عالمها الأصل ، 


انتهى ..
_________


بنج 

الثلاثاء، 12 يناير 2016

النور الثامن ، من ذات الأنوار

قصيدة / عامر بن عامر البصري
في تغير الزمان وانحراف مزاج أهله
وظهور فساد الأرض بالجور والعدوان
وكأنه يصف ما آلت إليه حياتنا بكل دقة
فاتمنى أن تُقرأ كاملة لما فيها من نقد قد
يجعلنا نتدارك أنفسنا ، وننتبه من غفلتنا

___________________________

النور الثامن : في تغير الزمان وانحراف
مزاج أهله وظهور فساد الأرض بالجور والعدوان
_

طغى الجور والعدوان فاض فهل لكم
بني العزم في فكرٍ لتحصيل آلة
              
ليُبنى قُبيَّل الغرق منها سفينة 
فننجوا بها من هلك امواج فتنتة
                
فكن عالما بالوقت ان كنت حاضراً
أخي فهذا وقتنا وقت فترة

تغيرت الأحوال عما عهدتها
وشب فساد الأرض من بعد خمدةِ

وأمست نفوس الخلق هلكى مخيفةً
لشقوتهم من بعد أمن وترفةِ

وأُضرم نار الغل والحقد بينهم
تخالفهم بعد إتفاق وألفةِ

وعادي لبعض بعضهم حسداً على
حُطام طفيف من زخارف زينةِ

وباعوا بدنيا دينهم لغرورهم
وجهلهم فإستوجبوا كل لعنة

قضاتهم في حكمها تقبل الرُّشا
حلالاً ترى من أخذها ما استحلتِ

وعدلهم ظلما عن الحق عادل
بغير محاماةٍ وغير حميّةِ

وعالمهم من جهله غير عامل
وفاضلهم من نقصه في غباوة

وشيخهم بالرقص للنقص قائل
إذا ما حدا الحادي يطير لخفةِ

لرغبتهم في جذب جاهٍ وزخرفٍ
تمسك كل قومٍ منهم ببدعةِ

لهم صورٌ محمودةٌ غير أنها
تراءت بأخلاقٍ قباحٍ ذميمةِ

وإن ضاقت الأخلاق منهم تداركوا
بتوسيع أكمامٍ وتعظيم عمةِ

تجافوا عن القرآن واتبعوا الهوى
ومالوا إلى الدنيا بحرصٍ وشهوةِ

فمنهم رئيس بالتفلسف مُولعٌ
بديعُ إشاراتٍ فصيحُ عبارةِ

تفوق تيهاً بالمجالس معجباً
بوضع إصطلاحاتٍ له منطقيةِ

وآخر منهم في الُأصوليين ناظرٌ
يناظر عن وهمٍ بلجٍّ وجرأةِ

ومنهم بتقرير الخلاف مسفسط
يغالطُ في ألفاظه الجدليةِ

وآخر منهم قد رأى صرفَ عمره
بتصريفِ صيغاتٍ لفعلٍ وفعلةِ

أضاف إلى تصريفه النحوَ فابتدا
بلا خبرٍ في بحث جرٍّ وجرمةِ

ومنهم أخو الطاماتِ حلفُ تصوفٍ
يُنمّسُ تلبيساً بصمتٍ وخلوةِ

يقول لقد نلنا بكشف سرائر
لحالاتنا لا قال فيها بلفظة

أرذالُ خَدَّاعون زرقاً بخرقةٍ
وسجادةٍ مرقوعةٍ وبسُبحةِ

ومنهم فقيهٌ ليس يفقه ما الذي
يراد به من نُسكِ حجٍ وعمرةِ

يحاجج فيما لا شعور له به 
بكوْدَنَةٍ ممزوجةٍ ببلادةِ

وآخر منهم بالقراءات قد بُلي
معنىًّ بقول الشاطبيِّ وحمزةِ

يُلَوّي بها شدقيه عند إمالةٍ
كأن به من ميلها ريح لقوةِ

وبالرمل والتنجيم والوفق فرقة
مُمَخرقةٌ فيه بمكرٍ وخدعةِ

وكلهم أمسى فقيراً من النُّهى
وإن أصبحوا في ظاهر أهل ثروةِ

وأكثرهم قد ظلَّ عن سنن الهدى
وباع الهدى والدينَ أبخسَ بيعةِ

فإن لم أقل حقاً لهم كان باطلا
وجوزيتُ من ربي بأعظم خزيةِ

وإن أنا قلت الحق لاقيت مالَقِي
بنو فاطمٍ من جهل آل أميّةِ

إذا كان حال الخاص من جهلهم كذا
فكيف ترى جمهورهم من سخافةِ

أموتى تراهم ام نيامٌ بغفلةٍ
فيا ذا العُلى أمنن عليهم بنبهة

لذلك ماصبَّ الالهُ عليهم
عذابا مُهيناً من أليمِ عقوبة

وأسلمهم من بعد عدل وقدرةٍ
إلى القهر فانقادوا بذلٍّ وكسرةِ

وادخلهم في سجن عجزٍ مُضّيَقٍ
وأخرجهم من دار عزٍّ وفسحةِ

وذلك عدلٌ منه صرفٌ لإنه
بما كسبت أيديهمُ من جَريرةِ

وما فرَّقوا من دينهم واقتدى
كما اقتضاهُ هواهُ كلُّ حزبٍ بقدوةِ