الأربعاء، 18 مايو 2016

أصنام فلسفية

بسم الله الرحمن الرحيم ،


قبل البدء بذكر الاصنام الفلسفية التي صنعها الزيف ، لنبدأ بطرح مسمى الفلسفة ومعناها بشكلٍ سريع ، فنقول بأن الفلسفة هي كلمة مأخوذة من الكلمة اليونانية " فيلوسوفيا " أو فيلاسوفيا سوفيا تعني [ الحكمة ] وفيلا تعني [ ايثار ] لذلك اتت كلمة فلسفة ، وتعني حب الحكمة  او ايثار الحكمة ، والحكمة هي
[ التشبة بالاله حسب الطاقة البشرية ]، ومن هذا المبدأ فأنه يصعب علي شخصياً أن يأخذ أحدهم مسمى فيلسوف وهو ليس للحكمة بأهل ، بينما أغلب فلاسفة الحق مجهولين أو مكفرين ومزندقين .

فمن أخذ شيئاً وهو ليس له بأهل كان صنماً ،  وتاريخنا العربي مليء بالأصنام الفلسفية التي كان يجب أن تُكسر قبل أن تصبح غير قابلة لذلك . 

فأول من نتطرقه ، وهو من زيّف نفسه وإكتسى برداء الحكمة ، وإختبأ في سطور التاريخ في عصر الإنحطاط العربي ،  الذي كان العصر العباسي ، وهو [ ابن خلدون ] الذي حظيت مقدمته على شهرةٍ عالمية ، وإعجاب لا مثيل له ، بل تعدت ذلك حين صُنفت كأحد أهم عشرة أعمال فكرية في تاريخ البشرية ،

فيقول المثل الشعبي [ إن سرقت فإسرق جمل ] ، فإبن خلدون سرق جملاً يعادل ألف جمل ، فكانت جميع فلسفاته وأراءه التي وضعها على الصحف البيضاء وقدمها للعالم مجرد حذلقة تكتيكوية إغتصبها ونسبها لنفسه بكل سكينة وهدوء من الكنز المعرفي العظيم كتاب [ رسائل إخوان الصفا وخلان الوفاء ] ، 
وقد كان ابن خلدون ينكر نظريات إخوان الصفاء دون أن يتطرق لذكرهم ، خصوصاً في نظرية الأفلاك وحركاتها وتأثيراتها ، ثم يأتي لينسخ منها دون أن يتذكر أنه كان منكراً لها ليقع في المحضور رغم حذاقته اللصوصية ، فيقول :

[ إنا نجد في العوالم على إختلافها أثار متنوعة ، ففي عالم الحس آثار من حركات الأفلاك والعناصر ، وفي عالم التكوين آثار من حركة النمو والإدراك تشهد كلها بأن لها مؤثراً مبايناً للأجسام ، فهو روحاني ويتصل بالمكونات لوجود إتصال هذا العالم في وجودها ، ولذلك فهو النفس المدركة والمحركة ، ولابد فوقها من وجود آخر يعطيها قوة الإدراك والحركة ( هنا يقصد نظرية الفيض من العالم العلوي وأن نسبته كنسبة الشمس للعين ، بالرغم أنه كان منكر لها في نصوصه ) ويتصل بها أيضاً ويكون ذاته إدراكاً صرفاً وتعقلاً محضاً وهو عالم الملائكة فوجب من ذلك أن يكون للنفس إستعداد للإنسلاخ من البشرية الى الملكية ليصير بالفعل من جنس الملائكة ]
 
فهذه المقولة أخذها من الرسائل ومن هنا نعلم مدى تناقضه وتلفيقه لفلسفاته بالنسخ من رسائل إخوان الصفا دون أن يعي شيئاً مما كتبه ، حتى سقط في شراك التناقض ، وكان أيضاً يغوص في الفلسفة الالهية ثم يعود لإنكار الغيب وينكر الفلاسفة الإلآهيين كبطليموس وغيره فكان دائماً يورط نفسه . وأترككم للاستزادة أكثر راجعوا كتاب [ نهاية أسطورة نظريات ابن خلدون ]
للدكتور محمود اسماعيل .


أما الصنم الاخر فهو أبو حامد الغزالي الذي سمُي بالفيلسوف عبثاً ، وهو أغث المحاربين للفلسفة ، وفي الحقيقة أن الغزالي تخبط تخبطاً لا مثيل له ، فهو أصلاً لم يبدأ التعلم إلا ليجد قوت يومه ، فكما يقول : 
مات أبي ، وخلف لي ولأخي مقداراً يسيراً ففَنيَّ بحيث تعذر علينا القوت ، فصرنا إلى مدرسة نطلب الفقه ، ليس المراد سوى تحصيل القوت ، فكان تعلمنا لذلك ، لا لله ، فأبى أن يكون إلا لله ]

وقد كان الغزالي يقفز هنا وهناك ، لا يثبت على فكر ولا على منهج ولا على ملة ولا على مذهب ، بل ( يسوقها على عماها )
وها هو حصل على شهرته ليس لذكاءه وعلمه ، بل لأنه أرضى قومه بعد سخطوا عليه ،! كيف لا وهو الذي قال في كتابه
[ سر العالمين وكشف مافي الدارين ]  : في حديث 
" من كنت مولاه فعلي مولاه "
ان عمر قال لعلي ابن ابي طالب عليه السلام
{ بخ بخ ، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة }
وهذا تسليم ورضى ، ثم بعد هذا غلب عليه الهوى حباً للرياسة ، وعقد البنود وأمْر الخلافة ونَهيها ، فحملهم على الخلاف ، ونبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً ، فبئس مايشترون ( يعني الامام علي عليه السلام ) . 

فلهذا كان الغزالي مسخوطاً مذموماً منبوذاً من قومه ، لكنهم الآن جعلوه صنماً فلسفياً عظيماً ، لأنه أرضاهم بعد ان مس مقدساتهم ، بحربه ضد الفكر والفلسفة ، فأخذ يحارب الفلسفة والمذاهب في كتابه [ تهافت الفلاسفة ] وكتابه [ فضائح الباطنية ] 

فكان كما سمعت من أحد الأصدقاء : 
ألا وإن ولد اللاش لا شب شبّه 
لا بد من يوم يعود لمرباه

وقد مات وهو يعاني من مرض الكنظ فعاش بإكتئاب شديد جراء ركضه وحفاوته في إثبات أن الفلاسفة كفار وملحدين وفي النار ، فدخل في شكوك مؤرقة وتناقضات ممرضه ، كما أورد في كتابه ،
[ المنقذ من الضلال ] والجدير بالذكر أنه كان أبو اللذات الجسمانية في الجنة ، ولم تكفه في الدنيا وترضيه ، فأصبح جديراً بأن يقلب بإمام الدواعش الأول ، وللاستزادة راجع كتابه المسمى [ بتهافت الفلاسفة ] الذي كان طرحاً لأراء الفلاسفة فلا يجيد إنكارها لكنه يجيد تكفيرهم بعد أن يتخبط  ، وراجع أيضاً إن أحببت كتاب [ سير أعلام النبلاء ] وكتاب [ في سبيل موسوعة فلسفية الغزالي ]  لمصطفى غالب . 


أما الصنم الآخر فكان المتطبب [ أبو بكر الرازي ] محمد بن زكريا ، الذي حاول جاهداً أن يدخل عالم الفلسفة ، فكان كما قال المثل [ خالف تُعرف ] ، فقام بإنكار الانبياء وكتبهم ليكسب الشهرة المزعومة ، ولنقرأ هذه المناظرة المضحكة التي دارت بينه وبين أبو حاتم الرازي ، لنرى مدى سخفه وقلة عقله ، فلنقرأ بلسان أبو حاتم الرازي ، وللتوضيح أكثر سأرمز لصاحبنا أبو بكر الرازي بحرف ك وأبو حاتم بحرف حـ فالبداية فقط لتتضح الصورة : 

[  ، قال ك / ولكني قد استدركت في هذا شيئاً لطيفاً ، واستخرجت منه ما لم يسبقني إليه أحد غيري ، وأنا أقول : إن الحركات ثلاث طبيعية ، وقسريه ، وفلتيه .
حـ / قلت فهذه الثالثة لم نسمع بها ولا نعرفها فعرّفناها كيف تكون ؟
قال : أنا أضرب لك مثالاً يتصور لك وتعرف وجه الصواب فيه
وجرت هذه المناظرة بيني وبينه في دار بعض الرؤساء وكان ذلك الرئيس قاعداً مع قاضي البلد يتناظران في أمر بينهما
، وهما بحيث نراهم ، وحضر هذا المجلس معنا المعروف بأبي
بكر ختن التمّار المتطبب . فقال الملحد في باب المثل الذي الذي أراد أن يثبت به الحركة الفلتيه التي أبدعها :
قال : هل ترى ذلك القاضي قاعداً مع الأمير ؟
قلت : نعم !
قال : أرأيت لو أنه تناول طعاماً رياحياً ، فتحركت الرياح في جوفه وإشتدت ، وهو يمسكها ويضبط نفسه ، وهو لا يرسلها
حذراً من أن يتأذى الأمير بنتنها ، أو حذراً من أن يكون لها وقع ، فيفتضح ، ثم تغلبته الرياح ففلتت منه ، فليست هذه الحركة طبيعية ولا قسرية ، بل هي فلتيه .
قلت : ألست تزعم أن علة هذه الرياح التي انفلتت من القاضي هي الطعام الذي تناوله ؟
قال : نعم !
قلت : فيجب إذاً ، أن تكون لهذه الحركة الفلتيه التي تزعم
حركة شهوة النفس علة قد تقدمت الحركة التي أحدثتها في النفس ، كما أن الطعام علة لهذه الرياح ، واذا كان هنالك علة قد تقدمت ، فلا بد أن تكون قديمة مع النفس ، أو أحدثها مُحدث ، فإن كانت قديمة معها فهي طبيعية ، ويجب أن تكون النفس أبدا متحركة بهذه الحركة ، لأن الطبع لا يفتر عن عمله
ويجب أيضاً أن تعدها مع الخمسة التي تزعم أنها قديمة 
، وإن كانت الحركة محدثة ، فهي قسرية ، فمن ذا الذي أحدثها وقسر النفس عليها ؟!

فلما إنتهى الكلام الى ها هنا ، ضحك ختن التمّار شامتاً به وكان يحضر هذه المناظرات فيظهر الشماته به إذا انكسر لما كان بينهما من الخلاف في قدم العالم وحدثه ، فلما ضحك متعجباً لما أورده ، خجل الملحد من ضحكه وأقبل عليه وقال :
وأي مقداري للدهري حتى يستهزئ ويضحك ويسيء أدبه ؟ دع عنك الضحك ، وتكلم عن مذهبك من القول بالدهر وقدم العالم لأعرفك مقدارك ، قال له ختن التمّار : الآن بعد أن افتضحت وانكسرت ولم يقنعك حتى ضرّطت القاضي وفضحته عند الأمير وأوردت هذا السخف وهذه الحجة الباردة ، أقبلت علي وتستريح الى مخاصمتي ! ، دعني ومذهبي وأجب الرجل ، فليس هذا مما يعنيك ويخلصك من هذه الفضائح والدعاوى الباطلة التي تُمخرق بها على الناس وبقيا ساعة في نحو هذا التشاتم انقطع الكلام ] 

طبعاً لنكون في الصورة فقد كان ابو بكر الرازي يؤمن
بالخمسة القديمة التي هي ( الباري والنفس والهيولى والمكان والزمان ) وهذا باطل ويطول الشرح في إثبات بطلانه ، فلذلك لنكمل حتى لا نخرج عن السياق ، 

وللاستزادة إقرأ كتاب [ أعلام النبوة ] لأبو حاتم الرازي ، وقد ألف أبو بكر الرازي عدة كتب ، كان من بينها كتاب [ مخاريق الأنبياء ] ومحتواه يتضح من عنوانه ، وله أيضاً كتاب [ الطب الروحاني ] الذي لم يكن طباً أصلاً ، وقد أُلفت عدة كتب فلسفية تبين تخبطه وإدعاءه بأنه طب . 

أما الصنم الأخير فهو أكثرهم غموضاً وبت لا أعلم كيف وصل لهذه الشهرة الجبارة ، رغم أنه قد يعد معدوم التأليف وإن كان له كتاب أعرفه فهو [ المنطق لإبن المقفع ] ، وحين تقرأه لن تجد إلا الحكيم ارسطوطاليس يتحدث بين السطور ! 

وله أيضاً كتاب [ الأدب الكبير ، والأدب الصغير ] ، وعندما تتصفحها ستجد الحكماء القدماء يتحدثون بدرر الكلم والأدب ، أي ان ابن المقفع كان يقتبس فقط ، ولربما كانت شهرته من شهرة كتاب كليلة ودمنة ، حيث أنه من نقله من الفارسية إلى العربية فنُسب إليه ، لكن دعونا نكسر هذا الصنم ولنتكلم عن كتاب [ كليلة ودمنة ] ، حتى نرى هل فعلاً كان ابن المقفع هو من ترجمة ونقله ونظمه !؟ ، 

كتاب كليلة صُنف في زمان عيسى عليه السلام لبعض أهل العلم المسمى [ بيدبا ] في جزيرة الهند ، والسبب وراء تأليفه هو أن الملك دبلشيم كان صبياً طاغياً ، فظلم وجار وجاء الحكيم لينصحه فزج به في السجن ، وبعد مدة شاء الله بهذا الملك خيراً فإطّلع على خزائن أبائه فشاهد كُتباً صُنفت في وقتهم وذَكرت سيرتهم فتمنى في قلبه أن يكون له مثل ذلك ، فجاء بالحكيم بيدبا وإعتذر له من حسن نيته وأخذ يستمع إليه ويلتقط جواهر حكمته فأُلف هذا الكتاب ، ونقل كتاب كليلة ودمنة بعد عناء وجهد شاق وحيل عظيمة من الهندية الى الفارسية ، برزوية ، وهذا التعب يدل على أن الكتاب كنز عظيم لا يقدر بثمن ، لكن الذي يهمنا الآن ، هو كيف نُقل الكتاب من الفارسية الى العربية ومن ترجمه .؟!

فجاء أن كتاب كليلة ودمنة نقله من الفارسية إلى العربية [ عبدالبديع بن علي الأهوازي ]
لـــ [ يحيى بن خالد بن برمك ] في خلافة المهدي ، ثم نظمه أولا [ ابان اللاحقي ] برسم من ملكه المسمى بيحيى ، ثم إنه وقف على هذا الكتاب الحكيم العربي العباسي المسمى
 [ بأبي علي محمد بن محمد بن صالح الهبارية ]

فنظر لما فيه من العجائب فرأى في نظم ابان اللاحقي خلل ، فنظمه ثانياً ، وأجاد في النظم ، وقد كان نظمه لهذا الكتاب على ماذكر عشر ليالٍ وسماه
[ نتائج الفطنة في كتاب كليلة ودمنة ] وقد قال فيه شعراً  :

قال الحكيم العربي العباسي
إني تأملت كلام الناس

فلم اجد لعرب ولا عجم
مثل الذي للهند من غر الحكم

فحسبهم وضعهم كليلة
فضيلة ما مثلها فضيلة

اخترعوا فيها النهى والحكمة
بهمة في الفضل اي همة 

وما لا يعلمه الأغلبية بأن ابن المقفع هو من نقل وترجم
[ كتاب مزدك ] ، ويُشار أن ذلك سبباً في قتله ، وكما ورد في كتاب أعلام النبوة فإن ابن المقفع بالفعل ملحد وقد كانوا أقرب إليه تاريخياً منا ،  

فلهذا كانت نسبة ترجمة كتاب كليلة ودمنة للإبن المقفع تعد هي الآخرى قضية غامضة كقضية مقتله أو لنقل إنتحاره ، وليكن موت ابن المقفع هو خاتمة لهذه المقالة ولنتجنب الإطالة فسنذكر قضية الإنتحار فقط لإن الغالبية لا يعلمون إلا أنه قتل ومثل به ، ففي كتاب [ ابن المقفع أديب العقل ] للدكتور فكتور الكك ، يقول :
[ وقد وقفت على مصدر عربي في مكتبة للمخطوطات بطهران قرأت فيه قولاً لمؤلفه يتعلق بموت ابن المقفع وهو قول بالغ الأهمية جديراً بالتأمل ، مفاده أن سفيان بن معاوية لما ظفر بإبن المقفع واراد حمله الى المنصور قتل نفسه ، وقال بعضهم انه شرب سماً ، وقال البعض أنه خنق نفسه ، ] 
 

وفي النهاية هنالك الكثير والكثير من الأصنام الفلسفية التي صنعها الاغبياء ، وغلفها التاريخ بهندام الحكمة والفلسفة وكان كل هذا بسبب أهواء مذهبية أو سياسية أو مادية ، كما هو حالنا الآن ، فقد نجد شخصاً موهوباً لكنه مهمش لإن علاقاته الإجتماعية ضعيفة ، وبالمقابل نجد شخصاً فارغاً وقد يكون حقيراً أصلاً ، لكنه ذو علاقات قوية وكثيرة ، فيجد من يلمع له ويصنع له مجداً كاذباً ، وتاريخاً مزيفاً ، فنصيحة لا تعطوا أحداً فوق قدره لمصالح شخصية ، أو عواطف شاعرية أو نظرات سطحية أو غيبية ، فأنتم لا تزيّفون الشخص فقط بل تزيّفون التاريخ ، وأشياء أخرى !



بنج ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق