الجمعة، 25 ديسمبر 2015

محن الإمام علي صلوات الله عليه

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد الأولين والأخرين ، وخير الماضين والغابرين محمد رسول الله الذي اختاره الله واصطفاه ، وعلى وصيه الذي قال عنه محدثاً اللهم والي من والاه وعادي من عاداه ، علي ابن ابي طالب الذي أوتي الفضل بالإستيجاب والإستحقاق ، وجاهد في سبيل الله حتى اذل بسيفه أهل العناد والشقاق ، وعلى أهل بيتهما الطيبين الطاهرين ، والإئمة من ذريتهم صلوات الله عليهم اجمعين .  

فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله : لما خلق الله عز وجل آدم عليه السلام ونفخ فيه من روحه ، نظر آدم عليه السلام يمنة العرش ، فإذا من النور خمسة أشباح على صورته ركعاً سجدا
فقال : يارب هل خلقت أحداً من البشر قبلي
قال : لا 
قال : فمن هؤلاء الذين أراهم على هيئتي وعلى صورتي
قال : هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ماخلقتك ولا خلقت الجنة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجن . 
هؤلاء خمسة اشتققت لهم أسماء من أسمائي ، أنا المحمود وهذا محمد ، وأنا الأعلى وهذا علي ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا الإحسان وهذا حسن ، وأنا المحسن وهذا حسين ، آليت بعزتي ألا يأتيني أحد بمثقال حبة من خردل من حب أحدهم إلا أدخلته جنتي ، وآليت بعزتي أن لا يأتيني أحدهم بمثقال حبة خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري ولا أبالي ، يا آدم وهؤلاء صفوتي من خلقي بهم أنجي وبهم أهلك. 


فبعدما قرأنا هذا الحديث العظيم الذي يبين رسول الله فيه فضل أهل بيته صلوات الله عليهم ، أنقل لكم هذا الحديث المحزن لما مر به الإمام علي ابن ابي طالب صلوات الله عليه من محن وأحزان وظلم وعدوان ، فصبرَ صبر أيوب ، وصمت وجعل الله يفعل وينوب . وفي هذا الحديث سيُقرأ التاريخ بالمختصر ، وستبكي القلوب وتنعصر ، وستحزن الأكباد وتنفطر ، فعسى أن نأخذ منه العبرة في الحلم والصبر، والرحمة وسعة الصدر ، وفي الزهد والورع ، وفي التمسك بما أنزل الله وشرع ، فأترككم مع قصة الإمام علي ابن أبي طالب صلوات الله عليه .   


عن محمد بن سلام ،
بإسناده عن علي صلوات الله عليه :
انه ذكر المواطن التي امتحن فيها بعد رسول الله صلوات الله عليه وآله . 
فقال : وأما ما امتحنت بعد رسول الله صلوات الله عليه وآله [ في سبعة مواطن : فوجدني فيهن من غير تزكية لنفسي بمنّه ونعمته صبوراً .
أما أولهن : [ فإنه لم يكن لي خاص آنس به ولا أستأنس إليه ولا أعتمد عليه ولا أتقرب إلى الله بطاعته ، وأبتهج به في السراء ، ولا أستريح إليه في الضراء غير رسول الله صلوات الله عليه وآله ، فإنه هو رباني صغيراً ، وبوأني كبيراً ، وكفاني العيلة وجبرني من اليتم ، وأغناني عن الطلب ، وكفاني المكسب وعال لي النفس والأهل والولد مما خصني الله عز وجل من الدرجات التي قادتني إلى معالي الحظوة عنده فنزل بي من وفاة رسول الله صلوات الله عليه وآله مالم تكن الجبال لو حملته تحمله ، ورأيت أهل بيته بين جازع لا يملك جزعه ولا يضبط نفسه ولا يقوى على حمل فادح مانزل به أذهب الجزع صبره ، وأذهب عقله ، وحال بينه وبين الفهم والإفهام ، وبين القول والإستماع ، وسائر بني عبدالمطلب بين معز لهم يأمر بالصبر ، وبين مساعد لهم بالبكاء وجازع لهم لجزعهم .
وحملت نفسي على الصبر عند وفاته ، ولزمت الصمت والأخذ فيما أمرني به من تجهيزه ، وغسله وتحنيطه ، وتكفينه ، والصلاة عليه ، ووضعه في حضرته وجمع أمانة الله ، وكتابه ، وعهده الذي حُملناه إلى خلقه ، واستودعناه لهم ، لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة
[ ولا هائج زفرة ] ولا لاذع حرقه ولا جليل مصيبة حتى أديت في ذلك الواجب لله ولرسوله عليّ ، وبلغت منه الذي أمرني به رسول الله صلوات الله عليه وآله .
وقد كان رسول الله صلوات الله عليه وآله أمّرني في حياته على جميع أمته ، وأخذ لي على من حضرني منهم البيعة بالسمع والطاعة لأمري ، وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب ، وكنت المؤدي اليهم عن رسول الله أمره لا يختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شيء من الأمر في حياة رسول الله صلوات الله عليه وآله ولا بعد وفاته .
ثم أمرهم رسول الله صلوات الله عليه وآله بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة عند الذي حدث به من المرض الذي توفاه الله فيه فلم يدع أحداً من أبناء قريش ولا من الأوس والخزرج ولا من غيرهم من سائر العرب ممن يخاف نقضه بيعتي ومنازعته إياي ، ولا أحداً يراني بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أخيه ، أو أبيه ، أو حميمه إلا وجهه في جيش أسامة ، لا من المهاجرين ولا من الأنصار وغيرهم من المؤلفة قلوبهم ، والمنافقين لتصفو لي قلوب من بقي معي بحضرته ولئلا يقول لي قائل شيئاً مما اكرهه ولا يدفعني دافع عن الولاية ، والقيام بأمور رعيته وأمته من بعده .
ثم كان آخر ماتكلم به النبي صلوات الله عليه وآله في شيء من أمر أمته ، ان قال : يمضي جيش أسامة ولا يتخلف عنه أحد ممن أُنهض معه ، وتقدم في ذلك أشد التقديم ، وأوعز فيه غاية الإيعاز ، وأكد فيه أبلغ التأكيد .

فلم أشعر بعد أن قبض رسول الله صلوات الله عليه وآله إلا برجال من بعث أسامة ، وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم ، وخلوا مواضعهم ، وخالفوا أمر رسول الله صلوات الله عليه وآله فيما أنهضهم إليه ، وأمرهم به رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وتقدم اليهم فيه ملازمة أميرهم والسير معه تحت رايته حتى ينفذ الى الذي انفذه اليه ، وخلفوا أميرهم مقيماً في عسكره ، وأقبلوا مبادرين إلى عهده الله ورسوله ، فنكثوه ، وعقدوا لأنفسهم عقداً ضجت فيه أصواتهم ، واختلفت فيه آراؤهم من غير مؤامرة ، ولا مناظرة لأحد منا بني عبدالمطلب أو مشاركة في رأي ، أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي ، وفعلوا ذلك وأنا برسول الله صلوات الله عليه وآله مشغول عن سائر الأشياء لأنه كان أهمها إلي ، وأحق ما بدأ به عنها عندي .

وكانت هذه من الفوادح من أفدح مايرد على القلب مع الذي أنا فيه من عظيم المحنة ، وفاجع المصيبة ، وفقد من لا خلف لي منه إلا الله عز وجل ، فصبرت منه .

ولم يزل القائم بعد رسول الله صلوات الله عليه وآله يلقاني معتذراً في كل أيامه يلوم غيره ما ارتكبه من أخذ حقي ونقض بيعتي ويسألني تحليله ، فكنت أقول : تنتهي أيامه ثم يرجع إليّ حقي الذي جعله الله لي عفوا وهيناً من غير أن أحدث في الإسلام مع قرب عهده في الجاهلية حدثاً في طلب حقي بمنازعة لعل قائلاً أن يقول فيها : نعم ، وقائلا يقول : لا،
وجماعة من خواص أصحاب رسول الله صلوات الله عليه وآله أعرفهم بالنصح لله ولرسوله والعلم بدينه وكتابه يأتوني عوداً وبدءاً ، وعلانية وسراً فيدعونني الى أخذ حقي ويبذلون لي أنفسهم في نصرتي ليؤدوا إليّ حق بيعتي في أعناقهم ، فأقول رويداً ، وصبراً قليلاً لعل الله أن يأتيني بذلك عفواً بلا منازعة ولا إراقة دمٍ ، فقد ارتاب كثير من الناس بعد رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وطمع في الأمر بعده من ليس له بأهل ، حتى قال كل قوم : منا أمير ومنكم أمير وما طمعوا في ذلك إلا إذ تولى الأمر غيري .

فلما آتت وفاة هذا القائم ، وانقضت أيامه صير الأمر من بعده لصاحبه ، وكانت هذه أخت تلك محلها من القلوب محلها ، فاجتمع إليّ عدة من أصحاب رسول الله صلوات الله عليه وآله . فقالوا فيها مثل الذي قالوا في اختها ، فلم يعد قولي الثاني قولي الأول ، صبراً واحتساباً خوفاً من أن تفنى عصابة ألفها رسول الله صلوات الله عليه وآله ، باللين مرة ، وبالشدة أخرى لقد كان في تأليفه إياهم إن كان الناس في الكزم والشبع والزي واللباس والوطاء والدثار .
ونحن أهل بيت محمد لا سقوف لبيوتنا ولا ستور ولا أبواب إلا الجرائد وما أشبهها ، ولا وطاء لنا ولا دثار علينا ، يتداول الثوب الواحد منا في الصلاة أكثرنا ، ونطوي الأيام والليالي جوعاً عامتنا ، وربما أتانا الشيء مما أفاء الله تعالى علينا ، وصيرة لنا خاصة دون غيرنا فيؤثر به رسول الله صلوات الله عليه وآله أرباب النعم والأموال تأليفاً منه لهم ، فكنت أحق من لم يفرق هذه العصابة التي ألفها رسول الله صلوات الله عليه وآله ولم يحملها على الخطة التي لا خلاص لها منها [ دون بلوغها ] لأني لو نصبت نفسي ودعوتهم الى نصرتي كانوا مني وفيّ على امور :

إما متبع يقاتل معي ، أو ممتنع يقاتلني ، أو خاذل لي بتقصيره وخذلانه ، فيحل بهم من مخالفتي ماحل بقوم موسى ( في مخالفة هارون وقد علموا أن محلي من رسول الله صلوات الله عليه وآله محل هارون من موسى ) فرأيت تجرع الغصص وردّ أنفاس الصعداء أهون علي من ذلك ، وكان أمر الله قدراً مقدورا .

ولو لم أتق ذلك وطلبت بحقي لعلم من بحضرتي أني كنت أكثر عدداً ، وأعز عشيرة ، وأمنع داراً ، وأقوى أمراً ، وأوضح حجة ، وأكثر في الدين مناقباً وآثاراً ، لسابقتي وقرابتي ووزارتي فضلا عن استحقاق ذلك بالوصية التي لا مخرج للعباد منها ، والبيعة المتقدمة لي في أعناقهم ممن تناولها .
ولقد قبض رسول الله صلوات الله عليه وآله و ولاية الامة في يديه وفي بيته لا في أيدي من تناولها ولا في أهل بيته بل في أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وهم أولو الأمر من بعده من غيرهم في جميع الخصال .
ثم إن القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الامور ومصادرها ، فيصدرها عن رأيي وأمري ، ولا يكاد يخص بذلك أحداً غيري ، ولا يطمع في الأمر بعده سواي ، فلما آتته ميتته على فجأة بلا مرض كان قبلها ، ولا أمر أمضاه في صحة بدنه لم يشك الناس إلا أني قد استرجعت حقي في عاقبته بالمنزلة التي رجوت والعاقبة التي كنت التمست ، وأن الله عز وجل سيأتيني بذلك على [ أحسن ] ما رجوت وأفضل ما أملت .
وكان فعله الذي ختم به أمره أن سمى خمسة أنا سادسهم لم يسق واحد منهم معي قط في حال توجب له ولاية الأمر من قرابة ولا فضيلة ، ولا سابقة ، ولا لواحد منهم مثل واحدة من مناقبي ، ولا أثر من آثاري ، فصيرها شورى بيننا ، وصير ابنه فيها حاكماً علينا وأمره بضرب أعناق الستة الذين صير فيهم إن هم أبوا أن يختاروا واحداً منهم ، وكفى بالصبر على هذه .
فمكث القوم أياماً كل يخطبها لنفسه ، وأنا ممسك لا أقول في ذلك شيئاً ، فإذا سألوني عن أمري ناظرتهم في أيامي وأيامهم ، وآثاري وآثارهم ، وأوضحت لهم مايجهلوه من وجوه استحقاقي لها دونهم ، وذكرتهم عهد رسول الله صلوات الله عليه وآله فيّ إليهم وتأكيده ما أخذ لي من البيعة عليهم ، فإذا سمعوا ذلك مني دعاهم حب الإمارة وبسط الأيدي والألسن في الأمر والنهي ، والركون الى الدنيا وزخرفها الى الاقتداء بالماضين قبلهم وتناول مالم يجعل الله عز وجل لهم ، فإذا خلى بي الواحد بعد الواحد منهم ، فذكرته أيام الله وماهو قادم عليه وصائر اليه ، التمس مني شرط طائفة من الدنيا أصيرها له .
فلما لم يجدوا عندي إلا المحجة البيضاء والحمل على كتاب الله جل ذكره وسنة رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وإعطاء كل امرىء ماجعله الله عز وجل له ، شكك القوم مشكك فأزالها الى ابن عفان طمعاً في الشحيح معه فيها ، وابن عفان رجل لم يستوفي ، ولا بواحد ممن حضر فضيلة من الفضائل ولا مأثرة من المآثر .
ثم لا أعلم القوم ما أمسوا في يومهم ذلك حتى ظهرت ندامتهم ، ونكصوا على أعقابهم ، وأحال بعضهم على بعض كل يلوم نفسه ويلوم أصحابه .
ثم لم تطل الأيام بالسفير لابن عفان حتى كفره ، ومشى الى أصحابه خاصة ، وأصحاب محمد عامة يستقيلهم من بيعته ويتوب الى الله من فتنته .
وكانت هذه أكبر من أختيها ، وأفضع ، واخرى أن لا يصير عليها ، فلم يكن عندي فيها إلا الصبر ، ولقد أتاني الباقون من الستة من يومهم الذي عقدوا فيه لابن عفان ماعقدوه . وكل راجع عنه ، يسألني خلع ابن عفان ، والقيام في حقي ، ويعطيني صفقته وبيعته على الموت تحت رايتي ، أو يرد الله اليّ حقي ، وبعد ذلك مراراً كثيرة فيأتوني في ذلك وغيرهم . فوالله ما منعني منها إلا ما منعني من أختيها قبلها ، ورأيت الإبقاء على من بقي أبهج بي وأسر .
ولو حملت نفسي على ركوب الموت لركبته ، ولقد علم من حضر ، ومن غاب من أصحاب محمد صلوات الله عليه وآله إن الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة من الماء في اليوم الحار من ذي العطش الصديّ ولقد كنت عاهدت الله أنا وعمي حمزة وأخي جعفر وابن عمي عبيدة على ذلك لله ولرسوله ، فتقدموني وبقيت أنتظر أجلي ، فأنزل الله عز وجل فينا { من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا } 
وما أسكتني عن ابن عفان إلا أني علمت أن أخلاقه فيما أُخبرت عنه مالا تدعه حتى تستدعي الأقارب فضلاً عن الأباعد في خلعه وقتله ، فصبرت حتى كان ذلك ، ولم أنطق فيه بحرف من لا ، ولا نعم .
ثم أتاني الأمر - علم الله - وأنا له كاره لمعرفتي بالناس وبما يطمعون فيه مما قد عوّدوه ، وأن ذلك ليس لهم عندي ، فكان ذلك كذلك .
واتاني فيه من أتاني فلما لم يجدوه عندي وثبوا المرأة عليّ ، وأنا ولي أمرها ، والوصي عليها ، فحملوها على الجمل ، وشدوها على الرحل ، واقبلوا بها تخبط الفياني وتقطع الصحاري ، وتنبحها كلاب الحوأب وتظهر فيها علامات الندم - في كل ساعة ، وعند كل حالة - في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم لي في حياة الرسول صلوات الله عليه وآله أولاً ، حتى أتوا بها بلدة قليلة عقولهم وعارية آراؤهم .
فتوقفت من أمرهم على اثنتين ، كلاهما فيهما المكروه : إن كففت لم يرجعوا ، وإن أقدمت كنت قد صرت للذي كرهته ، فقدمت الحجة في الإعذار والإنذار ، ودعوت المرأة الى الرجوع الى بيتها ، والقوم الذين حملوها على الذي حملوها عليه الى الوفاء ببيعتهم والترك لنقضهم عهد الله وأعطيتهم من نفسي كل الذي قدرت عليه منها ، وناظرت بعضهم فانصرف وذكرته فذكر .
ثم أقبلت على الباقين بمثل ذلك فما ازدادوا إلا جهلاً ، وتمادياً وعتواً وأبو إلا ماصاروا اليه ، وكانت عليهم الدايرة والكرة وحلت بهم الهزيمة والحسرة وفيهم الفناء ، وحملت نفسي على التي لم أجد منها بُداً ، ولم يسعني إذ تقلدت الأمر آخراً مثل الذي وسعني فيه أولاً من الإغضاء والإمساك .
ورأيت أني إن أمسكت كنت معيناً لهم على ماصاروا اليه بإمساكي ، وماطمعوا فيه من تناول الأطراف وسفك الدماء وهلاك الرعية وتحكيم النساء الناقصات العقول على الرجال كعادة بني الأصفر ومن مضى من ملوك سباء والامم الخالية . فأصير الى ما كرهت أولاً إن أهملت المرأة آخراً ، وما هجمت على الأمر إلا بعد أن قدمت ، وأخرت ، وراجعت ، وأزمعت ، وسايرت ، وراسلت ، وأعذرت ، وأنذرت ، وأعطيت القوم كل شيء التمسوه مما لا يخرج من الدين ، فلما أبو إلا تلك تقدمت فتمم الله فيهم أمره ، وكان الله عز وجل عليهم شهيداً.
ثم تحكيم الحكمين فيّ وفي ابن آكلة الأكباد معاوية وهو طليق ابن طليق ، لم يزالا يعاندان الله ورسوله والمؤمنين مذ بعث الله عز وجل علينا محمداً صلى الله عليه وآله الى أن فتح الله علينا مكة ، فأخذت بيعته ، وبيعة أبيه لي في ذلك اليوم في ثلاث مواطن ، وأبوه بالأمس أول من أخذ بيدي يسلم عليّ بإمرة المؤمنين ويحضني على النهوض في أخذ حقي من الماضين ، وهو في كل ذلك يجدد لي بيعته كلما أتاني ، ثم قالت هذا عليّ مما يطعم من أموال المسلمين وتحكم عليّ ليستديم مايفنى بما يفوته مما يبقى .
وأعجب العجب إنه لما رأى الله عز وجل قد رد اليّ حقي ، وأقره في معدنه عندي ، فانقطع طمعه أن يصبح في دين الله تعالى راتعاً ، وفي أمانته التي حملها حاكماً .
اعتمد على عمرو بن العاص فاستماله بالطمع ، فمال اليه . ثم أقبل بعد أن أطعمه مصر ، وحرام عليه أن يأخذ الفيء درهماً واحداً فوق قسمته ، وعلى الراعي إيصال درهم اليه فوق حقه ، والإغضاء له من غير حقه ، وأخذ يخبط البلاد بالظلم فيطؤها بالغشم ، فمن تابعه أرضاه ، ومن خالفه ناواه ثم توجه اليّ ناكثاً عائثاً في البلاد شرقاً وغرباً ويميناً وشمالاً . والأنباء تأتيني والأخبار ترد علي .
فأتاني أعور ثقيف ، فأشار علي أن أولين الناحية التي هو بها لأرادية ذلك ، وكان في الذي أشار به علي الرأي فيأمر الدنيا لو وجدت عند الله مخرجاً لي توليته ، وأصبت لنفسي فيما أتيت من ذلك عذراً ، فأعلمت فكري في ذلك ، وشاورت فيه من أثق به وبنصيحته لله ولرسوله وللمؤمنين وكان رآيه في ابن آكلة الأكباد كرأيي فيه ينهاني عن توليه ، وحذرني أن أدخله في أمر المسلمين ، فلم يكن الله ليعلم أني متخذ المضلين عضداً ، فوجهت اليه أخا بجيلة ، وأخا الأشعريين مرك وكلاهما ركنا الى دنياه واتبعا هواه. 

فما لم اره يزداد فيما هتك من محارم الله عز وجل إلا تمادياً شاورت من معي من أصحاب محمد صلوات الله عليه وآله البدريين الذين ارتضى الله أمرهم للمسلمين فكل يوافق رأيه رأيي في غزوته ، ومحاربته ، ومنعه مما مد اليه يده .
فنهضت اليه بأصحابي انفذ اليه من كل موضوع كتبي ، واوجه اليه من كل ناحية رسلي أدعوه الى الرجوع عما هو فيه والدخول فيما دخل فيه الناس معي ، فمكث يتحكم علي الأحكام ويتمنى علي الأماني ، ويشترط علي شروطاً لا يرضاها الله ولا رسوله ولا المسلمون .
فشرط علي في بعضها أن أدفع اليه قوماً من أصحاب محمد صلوات الله عليه وآله أخيار أبرار فيهم عمار بن ياسر ، رحم الله عماراً ، وأين مثل عمار ؟ لقد رأيناه مع رسول الله صلوات الله عليه وآله مايتقدم منا خمسة إلا كان عمار سادسهم ولا أربعة إلا كان خامسهم ، فاشترط أن يقتلهم ويصلبهم .
وانتحل دم عمثان ، ولعمر الله ما آلب على عثمان ولا حمل الناس على قتله إلا هو ، وأشباهه من أهل بيته أغصان الشجرة الملعونة في القرآن .
فلما لم أجبه إلى ما اشترط من ذلك كر علي الدنيا مستعلياً بطائفة حُمر لا عقول لا لهم ولا بصائر ، فأعطاهم من الدنيا ما استمالهم به ، فحاكمناه الى الله بعد الإعذار والإنذار .
فلما لم يزده ذلك إلا تمادياً لقيناه بعادة الله التي عودنا من النصر على عدوه وعدونا ، وراية رسول الله صلوات الله عليه وآله معنا ، فلم نزل نقلله ونقلل حزبه حتى قضى الموت اليه وهو معلم برايات أبيه التي لم أزل أقاتلها مع رسول الله صلوات الله عليه وآله في كل موطن .
فلما لم يجد من القتل بداً إلا بالهرب ركب فرسه وقلب رأسه لا يدري كيف يصنع واستغاث بعمرو بن العاص فأشار اليه بإظهار المصاحف ورفعها على الأعلام والدعاء لما فيها ، وقال له : إن ابن أبي طالب ومن معه أهل بصيرة ورحمة ، وقد دعوك الى كتاب الله أولاً وهم يجيبونك اليه آخراً ، فأطاعه فيما أشار به عليه إذ رأى أنه لا منجي له من القتل والهرب ، فرفع المصاحف يدعوا إلى مافيها بزعمه .



فمالت الى المصاحف قلوب من بقي من أصحابي
 [ بعد فناء خيارهم بجدهم في قتال أعدائهم على بصائرهم ]، وظنوا بابن آكلة الأكباد الوفاء بما دعى اليه ، وأسرعوا الى دعوته ، وأقبلوا إليّ بأجمعهم يسألون إجابته ، فأعلمتهم أن ذلك منه مكر ومن ابن العاص ، وهما الى النكث أقرب منهما الى الوفاء ، فلم يقبلوا قولي ، ولم يطيعوا أمري ، وأبوا إلا الإجابة ، وأخذ بعضهم يقول لبعض : إن لم يفعل فالحقوه بابن عفان أو فادفعوه الى معاوية .
فجهدت _يعلم الله جهدي _ ولم أدع علم غاية في نفسي وأردت أن يخلوني ورأيي ، فلم يفعلوا ، ودعوتهم اليه فلم يجيبوا لي ما خلا هذا الشيخ وحده وعصبة من أهل بيته قليلة - وأومأ الى مالك الاشتر النخعي - فوالله ما منعني من أن أمضي على بصيرتي إلا مخافة أن يقتل هذا وهذا - وأومأ بيده الى الحسن والحسين عليهما السلام - فينقطع نسل رسول الله صلوات الله عليه وآله وذريته ، وأن يقتل هذا وهذا وأومأ بيده الى محمد بن الحنيفة وعبدالله بن جعفره - فانه لولا مكاني لكان ذلك . 

فلذلك صبرت وصرت الى ما أراد القوم مع ما سبق فيه من علم الله عز وجل .
فلما رفعنا عن القوم سيوفنا تحكموا في الأمر بالأهواء ، وتخيروا في الأحكام والآراء ، وتركوا المصاحف ومادعوا اليه من حكم القرآن ودعوا الى التحكيم ، فأبيت ان أحكم في دين الله سبحانه أحداً إذ كان التحكيم في ذلك الخطأ الذي لا شك فيه .

فلما أبوا إلا ذلك أردت من أصحابي أن يجعلوا الحاكم رجلاً من أهل بيتي ممن أرضى رأيه وعقله ، وأثق بدينه ونصحه ومودته ، وأن يكون الحكم بكتاب الله الذي دعوا اليه ، وعلمت أن كتاب الله كله يشهد لي على معاوية ، فأبى علي أصحابي ، وأقبلت لا اسمّي رجلاً إلا امتنع علي ابن هند ، ولا أدعوا الى شيء من الحل إلا أدبر عنه ، ولا يسومنا خسفاً إلا تابعه أصحابنا عليه .
فلما أبوا إلا ما أراد من ذلك ، تبرأت الى الله عز وجل منهم ، فقلدوا الحكم امرءاً كان صبغ في العلم ، ثم خرج منه ، وقد عرفت وعرفوا أولاً ميله الى ابن هند ، وأخذه من دنياه ، فحذرته ، وأوصيته ، وتقدمت اليه في أن لا يحكم إلا بكتاب الله الذي دعى القوم اليه ، فخدعه ابن العاص خديعة سارت في شرق الأرض وغربها ، وأظهر المخدوع عليها ندماً .

وكان رسول الله صلوات الله عليه وآله عهد إليّ أن اقاتل في آخر أيامي قوماً من أصحابي يصومون النهار ويقومون الليل ويقرأون القرآن يعرفون بخلافهم إياي ومحاربتهم لي ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فيهم ذو الثدية ، يختم الله بقتلهم لي السعادة ، فلما انصرفت من ابن هند بعد أمر الحكمين ، أقبل أصحابي بعضهم على بعض باللائمة فيما صاروا اليه من تحكيم الحاكمين فلم لم يجدوا لأنفسهم من ذلك مخرجاً إلا أن قالوا : كان ينبغي لأميرنا أن لا يتابع ما أخطأنا من رأينا وأن يمضي بحقيقة رأيه على قتل من خالفه منا ، فقد ظلم بمتابعته إيانا وطاعته في الخطأ لنا ، فقد حل لنا دمه فاجمعوا على ذلك من حالهم ، وخرجوا ناكسين رؤوسهم ينادون بأعلى أصواتهم أن لا حكم إلا لله .

ثم تفرقوا فرقاً ، فرقة بالنخيلة ، وفرقة بحروراء ، وفرقة راكبة رؤوسها تخبط الأرض حتى عبرت دجلة ، فلم تمر بمسلم إلا امتحنته ، فمن تابعها استحيت ، ومن خالفها قتلت .
فخرجت إلى الأولتين واحدة بعد الأخرى ، أدعوهم الى طاعة الله ومتابعة الحق والرجوع اليه ، فأبتا إلا السيف لا يقنعهم غيره .
فلما أعيت الحيلة فيهما حاكمتها الى الله ، فقتل الله هذه وهذه ولولا مافعلوا وكانوا لي ركناً قوياً وسداً منيعاً ، فأبى الله إلا ما صاروا اليه ، وكانوا قد سارعوا في قتل من خالفهم من المسلمين .

ثم كتبت إلى الفرقة الثالثة ، ووجهت اليها رسلاً تترى ، وكانوا من جلّة أصحابي ، وأهل الثقة منهم ، فأبت إلا اتباع اُختيها ، والإحتذاء على مثالهما ، وأسرعت في قتل من خالفها من المسلمين وتتابعت الأخبار بفعلهم ، فخرجت حتى قطعت اليهم دجلة وأوجه اليهم السفراء والنصحاء وأطلب اليهم العتبى بجهدي بهذا مرة ، وبهذا مرة ، وبهذا مرة ، وبهذا مرة ، -وأومأ بيده الى الأشتر والأحنف بن قيس وسعيد بن قيس [ الأرحبي ] والأشعث بن قيس الكندي .

فلما أبوا إلا تلك ركبتها منهم ، فقتلهم الله عز وجل عن آخرهم - وهم أربعة آلاف أو يزيدون - حتى لم يبق منهم مخبرٌ .
ثم استخرجت ذا الثدية من قتلاهم بحضرة من ترون له ثدي كثدي المرأة .

فهذه سبع مواطن ، امتحنت فيها بعد رسول الله صلوات الله عليه وآله ،
وبقيت الاخرى واوشك بها أن تكون .
قالوا : يا أمير المؤمنين وماهذه الاخرى ؟
قال : أن تخضب هذه
- وأشار إلى لحيته -
من هذه 
- وأومأ الى هامته عليه الصلاة والسلام -

فارتفعت أصوات الناس بالبكاء ، والضجيج في المسجد - الجامع بالكوفة - حتى لم يبق بالكوفة دار إلا خرج أهلها فزعاً من الضجيج .

انتهى 
________________________________

فأشهدك الله أن لا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك ، وأن علي ابن أبي طالب وليك ونصيرك " 
فبعد أن نقلت هذا الحديث الذي يدمي القلوب ويعصرها ويحرق الأجفان ويذبلها ، يجب أن أذكر هذا الجزء. 

تنبية : 
لعل من قصر فهمه ، وقل عقله اذا سمع مافي هذا الباب من رغبة علي صلوات الله عليه في أمر الإمامة واحتجاجه على من دفعه عن ذلك يتوهم أن ذلك منه رغبة في الدنيا ، وقد علم الخاص والعام بلا اختلاف منهم زهده كان عليه الصلاة والسلام فيما قبل أن يلي الأمر ، ومن بعد أن وليه .
وإنما كان ذلك منه لأن الإمامة قد عقدها له رسول الله صلوات الله عليه وآله بأمر من الله جل ذكره ، كما ذكرت في غير موضع من هذا الكتاب ، وهي فضيلة من الله عز وجل لمن أقامه لها ، فليس ينبغي لمن آثره الله عز وجل بها واختصه بفضلها رفضها ولا دفعها ولا التخلف عنها ، كما لا ينبغي مثل ذلك أن يفعله من آثره الله عز وجل بفضل النبوة من أنبيائه ، وقد قاموا بذلك صلوات الله عليهم أجمعين مغتبطين بذلك راغبين فيه ، وجاهدوا عليه وبذلوا أنفسهم دونه.
وليس سبيله في ذلك عليه الصلاة والسلام سبيل من لم يعهد اليه رسول الله صلوات الله عليه وآله ولا أمره به ولا أقامه له ، والحجة في هذا وفي تحكيم الحكمين وقتال من قاتله تخرج عن حد هذا الكتاب ، وقد ذكرنا ذلك في غيره .



بنج

مهد الزمان

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد المختار ووصيه حيدر الكرار وعلى آله الهادين الأطهار ، في الحقيقة لا أعلم كيف أبدا موضوعي هذا ، الذي لا أعتبره إلا حديثاً لا أقل ولا أكثر ، ففي زخم هذه الأحداث نلاحظ أشياء كثيرة ، تبرهن على أن الزمن يجري في مساره الصحيح ، وأن الحكمة الإلهيه تمهد الطرق لزمانٍ أظنه ليس بالبعيد ، فعندما نرى مايحدث الآن من وقائع سياسية وثقافية نعلم أن هنالك نقلة غامضة ستحدث في هذا العالم ، لذلك فلنتكلم عن الناحية الثقافية سنجد أن هذا الجيل ينقسم إلى ثلاثة أقسام ،الأول من أُقفل عقله بعدما نُقشت تعاليمه الدينية ، والقسم الثاني من يتخبط داخلياً مابين تصديق ما إستسقاه صغيراً أو تصديق تفكيره العقلاني والقسم الثالث ، فبدأ بتكذيب تعاليم دينه وقصصها وإنقاد لما يمليه عليه واقعه وعقله ، وإن تطرقنا للأسباب لوجدنا أنها جبرية وعناية إلهية ، ففي زخم التطور الصناعي والحضاري أصبح الجميع دون إستثناء يرون ويسمعون عن طريق هواتفهم الذكية ، وإن نظرنا لما أدت إليه هذه النهضة لوجدنا أنها أغفلت الأهل عن تأسيس أبنائهم دينياً ، وهتكت ستر الكهنوت الديني الذي لطالما كانت أخطاؤه شنيعة إلاّ أنه يجد دائماً من يدفن إجهاضاته الغير شرعية ، وأيضاً إنتشار موضة الإلحاد والعلمانية ، فيأتي طفل ما ليتكلم عن إنكار وجود الله جل جلاله وهو في دائرة تحفيظ القرآن ، أو كأن يأتي طفل آخر يدعي العلمانية ، ليتكلم عن الإنفتاح والحرية الجسدية وهو مازال يحنط أخواته في التوابيت السوداء كيلاّ يفتتن بهن أحد ، وأيضاً إنتشار المتهكمين والساخرين ، إما لغرض التغيير مع أني أرى أن الغالبية العظمى تتهكم وتسخر لأجل الشهرة أو لإدعاء الثقافة والوسطية ، أو ربما كانت لغرض العداء ، أو التثقيف ، وأيضاً كان من ذلك تقارب الحضارات والأديان من بعضها البعض بشكلٍ خيالي ، فأصبح ذلك البدوي الصحراوي يستطيع أن يدخل في فكر وعقل أبعد الناس إليه جغرافياً ، وأبعدهم منه عقائدياً ودينياً ، وبما أن عقل الشاب كالطين المبلول فأنت تستطيع الكتابة عليه ، ومن هذه الأسباب حدث هذا التغير الجذري في ثقافة المجتمع المعاصر ، ولم يبق متمسكاً بتعاليمه الدينية إلا كبير السن منهم ، الذين أصبحت عقولهم حجارةً منقوشاً عليها ، فتقريباً هذه النتائج الحاصلة من النهضة التكنلوجية ، وحتى لا نذهب بعيداً فقد أصبح تويتر هو المرآة المعتمدة لعكس ثقافة أي مجتمع ، ولو نظرت لما يُطرح فيه من أراء وأفكار مختلفة ، لوجدت أن هنالك فئة ليست بالقليلة بدأت تطرح أفكارها الخاصة ، ومن أهمها التساؤل حول القرآن الكريم وما ورد فيه من آيات ونصوص شريفة ، وحول الأحاديث النبوية ، وحول التاريخ وماحصل فيه من سير وأمثال ، ودائماً نرى الحيرة في الغالبية العظمى ، وكما ذكرت في الأعلى فالقسم الأول مغلق العقل مازال يحارب من يتعدى الخطوط الحمراء لعقليته ، وأما الآخر فمازال متحيراً صامتاً ، وأما القسم الآخير فقد أصبح منكراً وجاحداً لموروثه الديني ، فمثلاً قبل عدة أيام وفي أثناء تصفحي وجدت أحدهم يقول : كيف مكث النبي يونس عليه السلام في بطن الحوت !؟ أيعقل هذا ؟ " بالفعل أيعقل هذا ؟ ، ومن هنا كان المذهب الإسماعيلي هو الأقرب لفهم مايحيير الإنسان الفطن مرن العقل والتفكير ، وعلى مر العصور كان هذ المذهب هو الأقرب دائماً للباحث المثابر في سبيل الحق والحقيقية ، فلطالما كان هذا المذهب يطرح أسئلةً تأمليه وقد تكون بديهيةً إلا أنه يعجز الجمع عن الإتيان بجوابٍ منطقي لها ، لذلك كان هذا المذهب مناهضاً للمنطق ، والمذهب الإسماعيلي يقوم معتقده على الظاهر والباطن في كل شيء ، وهذه سنة الحياة وكما قال تعالى : { ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تتذكرون } فالإنسان واحد إلاّ أنه من جسد وروح ، فالجسد هو الظاهر والروح هي الباطن ، فأنت ترى الجسد لكنك لا ترى الروح التي تسكن فيها ، ولا يقوم الجسد إلا بها ، وكذلك نرى ظاهر الشريعة ونصوص القرآن ، لكننا لا نرى الرموز والأسرار التي تبطنها وتقومها ، فالنبي صلوات الله عليه وعلى آله لم يأتي بالشريعة المحمدية دون براهين عقلية ، وحجج عظيمة فتبت يدا أبي لهب وتب ما اغنى عنه ماله وماكسب ، فالنبي صلوات الله عليه وآله لم يكن أمياً كما يزعم الجاهلون ، فلك أن تتخيل يا أخي عظمة محمد نبي الله إلى الثقلين وأفصح قريش وأعلم العالمين أن يكون أمياً !؟ عبثاً عبثاً ماتحاولون ، وللتوضيح فإن كلمة ( أمي ) مأخوذه من أم القرى لذلك سمي أمياً ، فصلوات الله وسلامه على محمد رسول الله العربي الهاشمي المكي المدني الأبطحي الأمي صاحب التاج والهراوة والقضيب والناقة صاحب قول لا إله إلا الله ، وعلى آله الطيبين الطاهرين الحاملين لعلم الله ، ومن أمثلة ماذكرنا فكأن يوصي صلوات الله عليه بصوم شهر رمضان الكريم ، دون أي برهان وجواب شافي ، فلماذا شهر رمضان بالذات من بين كل الشهور ؟ وكتعظيم المسلمين ليوم الجمعة المباركة من بين الأيام السبعة ، فلماذا يوم الجمعة بالذات ؟ . فالأمثلة كثيرة لكني طرحت هذين المثالين للقياس ، وللإختصار بقدر المستطاع ، لذلك فالباطن حق والظاهر حق ، ولنضرب مثالاً على المثل والممثول الذي قال الله تعالى { إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ماّ بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيراً ويهدي به كثيرا وما يضل إلا الفاسقين } فنقول مثال على ذلك بأن جسم الإنسان مثل ، ونفسه ممثول ، والدنيا مثل ، والأخرة ممثول ، ويقول الإمام علي عليه السلام " وإن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تنكشف الظلمات إلا به " وقال أيضاً عليه السلام " مامن آيه قرآنيه إلا ولها أربعة معان ظاهر وباطن وحد ومطلع فالظاهر التلاوة والباطن الفهم والحد هو أحكام الحلال والحرام والمطلع هو مراد الله من العبد " وقد ذكر الله جل ثناؤه وهو أصدق القائلين الباطن في مواضع عده فقال سبحانه : { وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة } فتدبر هذه النعمة المقصودة ، تلك التي قال الله تعالى : { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } وقال تعالى : { وذروا ظاهر الإثم وباطنه } وقال في كتابه الكريم : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات } إلى قوله { ومايعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } وقال تعالى : { هل ينظرون إلى تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق } وقال تعالى : { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون } فهناك الكثير من الآيات التي أتت على إثبات التأويل والباطن والأمثال ، لذلك لن أطيل الحديث في إثبات الباطن والمثل والممثول ، كيما نتابع موضوعنا في أن المسار في منحناه الصحيح ، وأن الزمن يسير بالحكمة الإلهية في إنفتاح العقول البشرية والتفكير في المسلمات الدينية ، التي داخلها الغموض ، وحاول طمسها الأبالسة والشياطين ، وبالتفكر في هذا المذهب الذي يتبنى المنطق العقلاني والذي كان أقرب لعقول الناظرين المتحيرين ، وكيف أن معتنق هذا المذهب يوافق جميع الثقافات ويتخاطب معها بليونه وتقبل ، ودائماً شعاره ( لك دينكُ ولي دين ، ولو كان مذهبك أياً كان مادمت لي مسالماً ) وكما قال صاحب الرسائل عليه السلام الذي هو قدوة عظيمة لهذا المذهب الرباني فيقول : ( فالناجي في الآخرة من كان جامعاً لفضائل الأمم والأديان كلها ) ولذلك سأضرب بعض الأمثله لتوافق هذا المذهب مع جميع الثقافات والأديان ، فلو نظرنا للبوذيين في إعتقادهم بالعناصر الأربعة ، النار ، والهواء ، والماء ، والتراب ، وأنها أساس كل شيء ، فقلنا بأنه يعتقد بهذا المعتقد وأن العناصر الأربعة هي أمهات المواليد الثلاثة ، التي هي ، المعدن ، النبات ، الحيوان ( ناطقة وخرساء) ،ولو نظرنا لبوذا الذي يقدسونه ، لرأينا أن أبناء هذا المذهب يحترمونه ولا يقولون فيه إلا الخير ، بل ويقتبس البعض من حكمته الشيء الكثير ، ولو نظرنا لما يعتقد به الهندوس أن النفس ( آتمان ) هي الباقية الخالدة ، وأنها لا تنفصل عن الروح الأسمى ( البراهمان ) فنقول كما آتى في القران الكريم : { خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تبصرون } وقد ذُكرت مسألة النفس الواحدة في أكثر من آية ، ولن أزيد على كلام الله شيء ، فتدبر يا أخي هذه الآية الكريمة ، وللتقريب فالظلمات الثلاث هي الأبعاد الثلاثية ، وأيضاً أنظر بعين قلبك وبصيرتك ، للإشارة الإلهية نحو الرب الذي له الملك سبحانه ، وأما اليهودية فأقرب مايكون هو [ يوشع بن نون عليه السلام ] ، الذي لا يعرفه المسلمون إلا بمقولة [ يقال أنه نبي ] ، بينما المذهب الإسماعيلي ذهب بعيداً في معرفته فهو يعرفه جيداً ويعرف مقامه ورتبته ، ولن أتطرقها ، وإن أتينا لما تعتقد به الديانة المسيحية ، فننظر إلى الأسرار المقدسة وهي سبعة ، ولا يكون المسيحي مسيحاً إلا بها ، وسأذكرها دون شرح كيفيتها خوفاً من الإطالة ، فقد وردت الأسرار السبعة بمعاني كثيرة من بينها ( الأمر الخفي ، الرمز النبوي ، أسرار النبوات ) ومن هنا نعلم أن لها أسراراً خفية وباطنة وهي ( المعمودية ، وزيت الميرون ، والقربان المقدس ، والتوبة ، ومسحة الرضى ، وسر الزيجة ، وسر الكهنوت )، ثم لننظر لدعائم الإسلام لدى المذهب الإسماعيلي وهي سبعة قد تكون مشابهه لها في المعنى ( الباطن ) وإن إختلفت الطقوس والشرائع ، فهي ( الولاية ، والطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج والجهاد ، ) وأيضاً تشابه الرقم سبعة لا يجب أن نغفل عنه . ثم لو تطرقنا لأغلب فلاسفة العالم بغض النظر عن أديانهم لوجدناهم يتفقون في بعض الأمور معهم ، فمثلاً فريدريك نتيشة وإخترته لأنه الأبعد ديناً أو قد يكون بلا دين ، ولن أحكم عليه ولن أسمع حكم أحد ، فيقول : " كل الأشياء خاضعة للتأويل وأيًا كان التأويل فهو عمل القوة لا الحقيقة " وكما نعلم أن جوهر الشيء هو حقيقته ، وتكون بإخراج الجوهر من القوة إلى الفعل ، فالتأويل هو عمل القوة التي تخرج الجوهر وأيضاً يقول : " إني أتٍ إليكم بنبأ الإنسان المتفوق فما الإنسان العادي إلا كائن يجب أن نتفوقه ، فماذا أعددتم للتفوق عليه " فلنركز على هذا الإنسان المتفوق في نظر نتيشة ، فبالفعل في الفلسفة الإسماعيلية ، لما كان الإنسان هو محصول الحيوان والأشياء التي تقدمته ، فحتماً سيكون هناك محصولاً لجميع الإنسان ، وقال تعالى : *{ ثم أنشأناه خلقاً آخر } وأكتفي بالتلميح ، وغير أن المذهب الإسماعيلي خاض في الفلك وعلم النجوم ، وقام بمجارات الفلسفة اليونانية والهندية ووقر رموزهم ، وألف وسطر في ماهية الكواكب ، والأفلاك وفي عددها ومواضعها وأقطارها وأحجامها وسرعة دوارنها وأبعادها ، بل واتخذ التقويم الفاطمي له تاريخ معتمد ، وهو يقوم على حسابات فلكية موزونه قد تحتاج لأيام عدة لمعرفة طرق حسابها ، وأقاموا الإختراعات والنظريات التي قامت عليها الحضارة الصناعية المعاصرة ، كالمناظر ، وخاضوا في الكيمياء وألفوا وسطروا ووضعوا قواعدها وقوانينها وهي معتمده لحد الآن ، بل وخاضوا في التاريخ من عهد آدم إلى هذا الزمان ، فاذهب لتسمع قصص الأنبياء خارج نطاق القرآن الكريم ، فلن تجد إلا سطوراً قلة ، مقتبسه من ظاهر القرآن أو من الأحاديث النبوية . وهناك أيضاً الكثير من فلسفات الأمم ، وثقافات الأديان التي يتفق معها في أراءٍ كثيرة ويكونون معهم مرنين ومتقبلين لما هم عليه ، لا يقذفونهم بالكفر ولا يستهزؤون من آلهاتهم وقدسياتهم ، وإن أتى شخصٌ غاشم ليقول بأن هذا المذهب هو إقتباسات من عدة أديان ، لقلنا بأن جميع الخلق علومهم واحدة وأن الأنبياء والرسل دينهم واحد متماسك ألا وهو الإسلام ، ويقول تعالى : { يريد الله ليبين لكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم } وقال : جل جلاله { سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا } . لذلك لن تجد لسنة الله تبديلاً وقال جل ثناؤه : { إن الدين عند الله الإسلام وما إختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعدما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب } فتدبر يا أخي كيف أن سنة الله واحدة وعلم الأنبياء ودينهم واحد ولم يختلف فيه إلا البشر بعدما جاءهم العلم ، فالعلم الرباني الذي وهبه الله لعباده على أيدي أنبياء الرحمه هو واحد ، وعلم البشرية قائم على ما أخذوه من الأنبياء والرسل ولو أني أخاف البعد كثيراً لطرحت بعض الأمثلة والأدلة على أن بداية كل علم إما من نبي أو رسول مؤيد بروح من الله سبحانه . وأما لو تكلمنا عن نظم المذهب الإسماعيلي وترتيبه وقواعده لعلمت أنه بينانٌ مرصوص ، متين العماد والقواعد صارم ومتزن على أسس لا تتغير ولا تتبدل إلا بما شاء الله ، فأتني بمذهبٍ متكامل البنية والأساس ، ومتفقٌ مع الكون في نشأته ، والإنسان في خلقته ، يتدرج تدرجاً في العلم والرتب والزمن والمكان ، ويساير الطبيعة في مقتضاها ويتشبه بحكمة الباري جل جلاله في جميع مناهجه ، ولو تجادنا في ماهية الله لرأيت من ينزهه ويجله ويبريه من الأراء الفاسدة التي إخترعها البشر ، وأيضاً لو أن هنالك مسلمٌ عربي غيور ، ثم نظر لحال العرب والمسلمين إلى أين وصلوا من الجهل والإذلال ، ثم تمدح كما يتمدح دائماً بأن الغرب أخذت علومها من العرب المسلمين ، ثم نظر وقال من هم هؤلاء العلماء العرب المسلمين ، لوجد أن غالبيتهم من الطائفة الإسماعيلية ، ولوجدهم في كتب كهنوته مزندقون ومكفرون ومنبوذين من علماء الجهل والظلال الذين لم يقدموا للبشرية سوى الدمار والأراء الوحشية ، ثم أخذ يعتبر أنى لهذا المذهب أن يحتضن مثل هؤلاء الفطاحلة الذين قدسهم الغرب وأخذ يتدارس كتبهم ، ثم أخذ يفكر لما أكثرية الذين حازوا على إهتمام الغرب هم من الطائفة الإسماعيلية ، حيث أنهم تداولوا سيرهم ، وحققوا في تاريخهم ومعتقداتهم ، وأقرب مايكون في هذا العصر تأتي البروفيسورة والباحثة ( كارملا بافيوني ) وهي باحثة في الفلسفة الإسلامية حيث قامت بدراسة رسائل إخوان الصفا والقت المحاضرات عنها وأوجبت التقدي بهم والسير على نهجهم ، بل وبدأت حالياً في ترجمتها للإيطالية كيما يتنسى لأبناء وطنها الإستفادة منه ، بل وبدأت تقرأ لبعض الفلاسفة الإسماعيليين . ثم لنأتي لذكر بعض الفلاسفة الذين حازوا على إهتمام الغرب وجعلوا مؤلفاتهم نصب أعينهم لألاف السنين القادمة ، فمنهم الفارابي ، وابن سينا ، وابن الهيثم ، والكرماني حجة العراقين والمؤيد في الدين الشيرازي وابن حيان وغيرهم الكثير . ولنتسائل لماذا لا يُقرئ التاريخ فكيف فعل بأدباءه والفلاسفة كابن المقفع والحلاج وغيرهم أليس لإنهم شيعة ؟ أم ترى أن هؤلاء قدموا للبشرية الكثير وصنعوا للغرب حضارتهم بينما يستحقون القذف والذبح والسلخ ، أليس هذا تناقضاً منك ؟ لا بل صدقني أنت مختل . وماذا لو رأيت أن العالم بأجمعه يرى بأن سقراط ، وأفلاطون ، وأرسطاطاليس ، وفيثاغورس وأقليدس ، وجالينوس ، قدوةً لهم وشخصيات تاريخية عظيمة وأنت تكفرهم وبينما الإسماعيلي المعتقد يقول بأنهم حدود دينية لها رتبها ومقامها ، فيحترمونهم ويقدرونهم ، فكان كل ماكتبت عن هذا المذهب نزعة مني ، وقد تظن بأني أكتب هذه المقالة مديحاً ، لكنك مخطئ فكما قلت كان نزعة مني فقط ، فلم أسمع بمذهب متزن يجمع علوم الدين وعلوم الفلسفة كأنها زوجان ممتزجان ومتجانسان غير ه ، فلنعد لموضوعنا ، فما أردت قوله هنا في هذه المقالة هو بأن الزمن يسير في مساره الصحيح ، فالزمن الآن كأنه يقول سأمخض العقول والأراء ، ليأتي زمانٌ فيه يلدون ، فيتقبلون ماسيفجعهم من العلوم الخفية والمعارف الحق المطوية تحت حكم الرحمة الإلهية بعباده الصالحين المخلصين ، فأنظر أنت بنفسك إلى أين يقودنا الزمان ؟ أليس إلا الجحود بما قصه الكهنوت الإبليسي وحرفه ، وطمس العقول عن الحق وكمكمه ، تحت ظل أنا أعلم منك ، وأنا أقول وأنت تفعل دون أن تسأل ! ، فتأمل مصير هذا العالم وإلى أي فوهةٍ ينزلق ، أليس الله بأرحم الراحمين وقد أنزل علينا الأنبياء والمرسلين ؟ أليس من المفترض أنه أنزلهم ليخرجونا من الظلمات إلى النور وأن يستمر في ذلك ، ويحفظ علم أنبياءه ورسله ، وإلا لما كان من إنزالهم مغزىً صريح سوى إنقاذ من كان بعصرهم ، وكان عجز منه ! فحشاه العزيز المتعال القوي الجبار جل ثناؤه وتعالى سبحانه عما يقولون علواً كبيرا ، فهل تعلم يا أخي أن اليهود تقول بأن التوارة محفوظ من عند الله ، والمسيحية كذلك تقول بأن الإنجيل محفوظ من عند الله ؟ ، والقرآن كذلك محفوظ بلا شك وريب من عند الله غير قابل للتحريف ، لكن ماذا لو حُرفت المعاني ، وزادوا في الشرائع وأنقصوا منها أليس هذا سهلاً وهل كل ماشرع الرسول في القرآن !؟ فتسائل يا أخي ، ثم ماذا ؟ أليس من المنطقي أن يكون لهذه العلوم الشريفة والشرائع النبوية شخص مكلف ومجتبى من الله جل جلاله ليحفظها ، أم ترى أن البشر العاديون قادرون على حفظها من دون التأييد الإلهي الذي مده الله بالأنبياء والرسل ؟ أم تُترك للإجتهاد الذي لا ينتج عنه إلا تعدد الأراء وضياع الأمم ، وأنظر كيف أضاع اليهود والمسيح دينهم وإعتبر ولا تكن ممن قال الله فيهم : { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } وكن ممن قال فيهم : { يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا } فتفكر يا أخي في حكمة الله سبحانه وعدله . فأكمل موضوعي قائلاً إن هذا لتمهيد لما هو آت ، من أحداث تسر المخلصين وتبهج القانعين الخيرين وتسوء المكابرين القاسطين ، وسيكون للمذهب الإسماعيلي الذي هو الأقرب لما تمليه العقول السليمة والفطرة القويمة صيت يهز أركان الأرض ، وسيُظهر التاريخ عظمة نجران التي غلفها بهندام السكينة ، وأخفاها خلف خن السفينة ولو لاحظنا إنتشار الفنون الشعبية النجرانية وبعض السنن التي لطالما ميزنا أبناء هذا المذهب عن طريقها على نطاق واسع ، حتى أن الكثيرون أصبحوا يزاولون الفلكلور النجراني ، وصارت العمامة النجرانية منتشرة في جميع الأنحاء ، بعدما كان يراها البعض تخلفاً منهم وماهم إلا المتخلفون الجاهلون ، فالعمامة تيجان العرب كما أخبر النبي صلوات الله عليه واله . وكذلك إنتشرت سنة تهذيب اللحى ، والتختم في الخنصر اليمين ، وهم لا يعلمون ماخلف التختم في اليمين من لطائف الحكمة الإلهية والمعاني ، وماذا يمثل خنصر اليد اليمنى وما يمثل الخاتم ، وأيضاً ، لنتسائل لما كان النبي صلوات الله عليه وآله يتختم في يمينه وفي أوآخر أيامه تختم في يساره وأمر الإمام علي عليه السلام أن يتختم في اليمين ؟ فتدبر يا أخي هذه الإشارات اللطيفة من نبي الرحمة صلوات الله عليه ، وقد تظن أنه ليس لهذه العادات المنتشرة أي تأثير لكن صدقني أنها لعبت دوراً كبيراً ، فأضرب لك مثالاً ، ففي أحد الأيام وأنا أستقل باصاً عاماً في أحد الدول ، وكان بجانبي شخص عربي بل سعودي من المنطقة الوسطى ، فتبادلت معه أطراف الحديث فآتى ذكر مدينة نجران ، فأتاني منه السؤال صاعقاً هل نجران في القطيف ؟ هاسرح له ، فلذلك كان هنالك الكثير لا يعرفون عن نجران وأبناء هذا المعتقد شيئاً سوى أن أهل نجران شيعة ، ولا يسمعون عنهم سوى تلك القصص الخرافية التي إفتراها عليهم بعض العقارب الذميمة . ومما زاد توجه النظرات إلى هذه الطائفة أيضاً ، كثرت السذج الحاقدين الذين يسعون لتشويه سمعة هذا المذهب غباءاً منهم فيظنون أنهم يفرقون الناس وينفرونهم عنهم ، بينما هم يشيرون على الحق بأيديهم لمن حظي بالفطنة والتفكر ، وحتى أن هوس الأضداد وصل فيهم لأن ينشروا تحذيرات لعدم وضع الفوانيس لأنها عادات إخترعتها الدولة الفاطمية ، ولو تصفحت عن فوائد الشموع في البيت التي طرحها الطب الحديث لوجدتها ذات منفعة غير أنها تضيف جواً روحانياً وسكينة . بل وإن بعض زعماء دينهم تكلموا عنها وحثوا بها. ثم آتت حرب اليمن ثم تفجير المشهد رحمة الله على من شهدوا الشهادة فيه بكل شجاعة ، فأسكنهم الله رفيع جناته ، وكانت هاتين الحادثتين سبباً قوياً لجعل النظرات تتوجه جميعها لنجران وللطائفة الإسماعيلية ، وأخذت الغالبية العظمى تتسائل عن هذا المذهب المسالم العقلاني ، الذي لطالما كان أبناؤه قدوةً للخير والشجاعة والكرم والفصاحة ، الذين كانوا كما ذكرنا سابقاً جامعين لفضائل الأمم والأديان كلها . فحتى وإن صارعهم الباطل والظلم طول هذه السنين ، سينكشف الغم وسيظهر الحق من الباطل ، وسيعلم الجمع أي منقلبٍ ينقلبون ، فقد وعد النبي صلوات الله عليه وآله وهو الصادق الامين حين قال : " لو لم يبقى من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يظهر من ولدي من يملأ الأرض عدلاً وقسطا كما ملئت جوراً وظلما " وما هذه الأحداث السياسية والتطور الصناعي والتفتح الثقافي والعقلاني إلا تمهيداً لمستقبل مشرق مملوء بالعدل والسلام ، فمن سيجيب هذه العقول جواباً شافياً وبياناً عن مثل هذه الأسئلة التي ضربت مثالاً عليها في الأعلى ؟ وكما قال أحد دعاة الدولة الفاطمية أتحفظ بإسمه لغرض في نفسي :
وتطلع الشمــــس بنور قــد بهـر
وتنجلي الظلــمة عن حــد القمر
ويغلــب الـنــور عـلى الـظــــلام
وتشــــرف الأرضــيـن بالإمـــام
وتكشف الشمس التي مـن قـبل
كان لها في الكـائنات من فــعل
ولم لعــــمـري مـــرةً قد كــــورت
وأخفيـت عن الــــورى وأظــهرت
وكــــم سمــــاء قد طـويت وبدلت
ارضا بغـير ارض ثــــم زلـــــزلت
ويبــــطل القــــول الــذي بالسكر
يفـعل بالأرواح فــــعــــل الــخمر
وتبــــرز الحـــور مــــن الــــخدور
وتـــنــــشر المــــوتى من القــــبور
وتــــنمــي الآثــــار والــــرســـوم
ويكشف المــــستــــور والمــــكتوم
وينقضي الستر ويمضــــي دوره
وظــــلمه عـلى الــــورى وجــــوره
فكما يتضح في هذه الأبيات الجلية التي لا تحتاج لشرح وفي الآخر سأكرر ماقلت سابقاً هذه المقالة مجرد حديث ليس إلا بيني وبين نفسي وسأطرح النهاية كهدية لمن يقرأ مقالتي هذه ، ووفقكم الله ورعاكم أينما كنتم وحللتم .
النهاية : في حديث طويل سأذكر هذا الجزء منه ، وهو لما كان الرسول صلوات الله عليه وآله في مرضه ، وجاءه الإمام علي عليه السلام ، بعد أن قال ثلاث مرات ادعوا إلي أخي ، فأرسلت فاطمة عليها السلام إلى علي ، فجاء فلما رآه النبي قال : ادن مني فدنا منه فقال : اجلسني فأجلسه ثم قال : احضني فأحتضنه فقال : اسندني إلى صدرك فأسنده ، قال : علي السلام ، فما زال رسول الله صلى الله عليه وآله يسارني ويحدثني ، وإني لأجد برد شفتيه ولسانه في أذني ، حتى قبض صلى الله عليه وآله ، قال : وكان آخر ماعهد إلي أن قال : الصلاة الصلاة ، وماملكت أيمانكم ، قال علي عليه السلام : وهي آخر وصايا الأنبياء صلوات الله عليهم .

فأوصيكم بآخر وصايا النبياء صلوات الله عليهم
بنج ..

وفيك إنطوى العالم الأكبر

عندما نقول بأن الإنسان هو محصول العالم فإعلم أن في خلق الإنسان غرائب وعجائب لا يعلم عددها وسرها إلا الله سبحانه وتعالى فيقول الحكيم هرمس عليه السلام : أن الإنسان أعجوبة وأن الإنسان مثله مثل الكون كل واحد من أجزاء مختلفات ومن أقواله أيضاً : الانسان أعجوبة تستحق التشريف والتبجيل فله صفات الملائكة كما لو كان واحد منهم لأنه علم أنه نشأ من نفس الأصل وأيضاً قال هرمس عليه السلام : للإنسان طبيعة مزدوجة فهو فاني الجسد خالد الذكاء يعلو على السماء لكنه ولد عبداً للمصير وقال أيضاً : قد يعرف الإنسان ذاته فيعرف الكون بالوعي وقد كان العلماء يطلقون إسم العالم الصغير على الإنسان والإنسان الكبير على العالم كله ومن هنا يجب علينا أن نذكر أبيات خير الأوصياء مولانا علي ابن ابي طالب صلوات الله عليه وعلى اله ، 
 حينما قال وفيك إنطوى العالم الأكبر فكيف ينطوي فينا هذا العالم الأكبر وقد قيل أنه لما كان العالم كبيرا وعمر الإنسان قصيراً جعل فيه ليقدر على تأمله فلو عدنا لما ذكره الإمام التقي الحكيم الصادق صاحب الرسائل عليه السلام سنجد جوابا شافيا ملهما يحثنا دائما على التأمل والتفكر في خلق الله وذلك أنه لما كانت الأفلاك تسع طبقات مركبة بعضها جوف بعض كذلك وجد في ترتيب جسد الانسان تسع جواهر بعضها جوف بعض ملتفات عليها مماثلة لها وهي العظام والمخ اللحم والعروق والدم والعصب والجلد والشعر والظفر فجعل المخ في جوف العظام مخزوناً لوقت الحاجة إليه ولف العصب على مفاصله كيما يمسكها فلا تنفصل وحشا خلا ذلك اللحم صيانة لها ومد في خلل اللحم العروق والأوردة الضاربة لحفظها وصلاحها وكسا الكل بالجلد ستراً وجمالاً لها وأنبت الشعر والظفر من فضل تلك المادة لمأربها ، فصار مماثلاً لتركيب الفلك بالكمية والكفية جميعاً لما كان الفلك مقسوما اثني عشر برجا وجد في بنية الجسد اثناعشر ثقبا مماثلا وهي العينان والاذنان والمنخران والثديان والفم والسرة والسبيلان ولما كانت الابراج ستة منها جنوبية وستة منها شمالية كذلك وجدت ست ثُقب ، في الجسد في الجانب اليمين وستُ في الجانب الشمال مماثلة له بالكمية والكيفية جميعاً ولما كان في الفلك سبعة كواكب سيارة بها تجري أحكام الفلك والكائنات وكذلك وجدت سبع قوى في الجسد فعاله بها يكون صلاح الجسد ولما كانت هذه الكواكب ذوات نفوس وأجسام لها أفعال جسمانية في الاجسام وافعال روحانية في النفوس كذلك وجدت في الجسد سبع قوى جسمانية وهي القوة الجاذبة والماسكة والهاضم والدافعة ، والغاذية ، والنامية والمصوّرة وسبع قوى أخرى روحانية وهي القوى الحساسة أعني الباصرة والسامعة والذائقة والشامة واللامسة والقوة الناطقة والقوة العاقلة وكما كان في الفلك عُقدتان وهي الرأس والذنب ، وهما خفيَّا الذات ظاهر الافعال بهما سعادات الكواكب ونحوساتها كذلك وجد في الجسد أمران خفيان الذات ظاهر الافعال بهما صلاح بنية الجسد وصحة الافعال للنفس وهما صحة المزاج وسوء المزاج وذلك أنه إذا صح مزاج أخلاط الجسد صحت أعضاؤه واستقامت أفعال النفس وجرت على الأمر الطبيعي وإذا فسد المزاج اضطربت البنية وعيقت أفعال النفس عن جريها على السداد وأضر ما يكون نحوسة العقدتين على النيرين وماورد في تشابه تركيب جسد الإنسان مع الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض وجد في بنية الجسد أربعة أعضاء وهي تمام جملة الجسد أولها الرأس ثم الصدر ثم البطن ثم الجوف إلى أخر قدميه فهذه الأربعة موازية لتلك وذلك أن رأسه موازي لركن النار من جهة شعاعات بصره وحركة حواسه وصدره موازٍ لركن الهواء من جهة نفسه واستنشاقه الهواء وبطنه موازٍ لركن الماء من جهة الرطوبات التي فيه وجوفه إلى اخر قدميه موازٍ لركن الأرض من قبل انه مستقر عليه كاستقرار الثلاثه الباقيه فوق الارض وحولها ومازال الإنسان عالماً صغيراً بحجمه كبيراً بتفاصيله وعظيماً بسره وخفاياه فسبحان الذي تعالى عنا علواً كثيرا .
بنج ..

الغاية الأسمى

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد واله الطيبين الطاهرين 

    بدايةً أحب أن أنوه أن ما سأذكره قد يكون صادماً للبعض ومحبطاً لهم ليس لأنه خطأ بل لأن الغرائز الدنيوية والشهوات الجسدية هي المتحكم الأول بنطق وخيال من يصيبه الإحباط ، فموضوعنا اليوم هو عن الغاية الأسمى والفوز العظيم ، وبعض السبل الهادية لها وحث المرء على أن يكون خيراً طامعاً لما طمع له العظماء بعيداً عن الشهوات الدنيوية ، فعندما بدأ الأنبياء والرسل بالهبوط من عالم الروح إلى عالم الكون والفساد لإخراج الناس منه رحمةً من الله ومنهم لم يعجب الناس مايبشرون به لمن إتبعهم وسار على نهجهم ، لأن آثار الخطيئة السابقة تلازمهم كما يلازم الشخص شيطانان يجريان منه مجرى الدم ، وكما ذكرت سابقاً الغرائز الحيوانية والشهوانية مازالت تأسر ناطقته، وخياله ، وذاكرته ، فأخذ المبشرين يضربون الأمثلة ويقربون لهم بالإشارات التي تتناسب مع قدرة إحتمال عقولهم رأفةً بهم ورحمه ،لينجذبوا إلى السراط المسقيم وطريق الخلاص والتطهير ، فما هي الغاية الأسمى والفوز العظيم ، الذي يشتاقه كل متأملٍ ذي عقل ، صحيح القلب سليم الرأي ، ويكرهه كل ذي جهل ، مريض القلب محباً للشهوات ، فنقول بأن الغاية الأسمى هي القرب من الله وأنبياءه ورسله والصعود لعالم الروح والريحان عالم القدس والملكوت الأعلى خالين من الأجساد وثقلها ومن الذنوب ووزرها ومن الآلام وحزنها ، نسبح بين الكواكب والأفلاك ونكون في كل شيء متصلين بالقوى القدسانية والأنوار الشعشعانية خالدين فيها أبدا ، في سعادة محضة نسبح بتسبيح سكانها ونستمع لصوت كواكبها وأفلاكها ، ذات النغمات البديعة والألحان اللذيذة ، فهذه هي الغاية الأسمى وهو الفوز العظيم ، عندما نعود لمنازلنا حيث كنا من أصحاب اليمين ، فبعد أن عجز عن الوصف حقيرٌ مثلي ، أترككم لهذه المقولات الروحانية والحروف التأملية ، بإستعراض بعض المقتطفات من أقوال بعض الأنبياء والأئمة والدعاة الصالحين ، فنبدأ بكلام خير الأوصياء علي ابن ابي طالب عليه السلام حتى تتضح الصورة في أن الغاية الأسمى لدى المؤمنين الصالحين هي القرب من الله سبحانه وتعالى والدنو منه ، وليس كما يطمع الطامعون أو يخاف الخائفون ، علماً أنه سيأتي أحدهم ليقول بأني أنكر الجنة والنار ،لا يهم ، فيقول الإمام علي عليه السلام :

        [ إلهي ماعبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً بجنتك ، إنما وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك ]

            فهل لك يا أخي أن تتخيل كيف يعبد الأحرار ربهم ! فأحياناً قد ترغب في نسف موضوعك الأصلي وتتوجه لمدح عظمة وعلوا شأن الإمام علي لكني

              سأكتفي بما قال المتنبي :

              * وتركت مدحي للوصي تعمداً

              * إذا كان نوراً مستطيلا شاملا

                * واذا استطال الشيء قام بنفسه

                  * وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا 

                      فنعود لموضعنا لنطرح هذه النصائح والحروف التي هي من أعظم التعاليم التي خلدتها الصحائف والأقلام ، تعاليم هرمس الحكيم ، الذي هو النبي ادريس عليه السلام الذي رفعه الله مكاناً عليا .

                        تنويه - [ آتوم ]، إسم من أسماء الله سبحانه 

                          فيقول الحكيم في الميلاد الجديد : 

                            [ لن يصل أحد إلى الخلاص مالم يولد من جديد فطهر ذاتك من أدران المادة إن أردت أن تولد من جديد إن أولها الجهل ، وثانيها الحزن ، وثالثها عدم ضبط النفس ، ورابعها الشهوة ، وخامسها الظلم ، وسادسها الطمع ، وسابعها الخديعة ، وثامنها الحسد ، وتاسعها الخيانة ، وعاشرها الغضب ، والحادي عشر هو التهور ، والثاني عشر هو الحقد ، وينطوي تحت تلكم جميعها كثيرٌ غيرها ، تجبر الانسان الحبيس في سجن الجسد علي معاناة العذاب الذي تولده ولكنها تنزاح كلها برحمة آتوم ليحل الفهم ، هذه طبيعة الميلاد من جديد ، وهو الطريق الوحيد إلى الحقيقة ، وهو الطريق الذي اتبعه أسلافنا للوصول إلى الخير ، والإحسان القديم هو طريق إلهي مقدس على الرغم من صعوبة سفر الروح في الجسد ، وأولى خطوات الروح هي الحرب مع شهوات الجسد ، وهو صراع بين الوحدة والتعدد، فأحدهما يهدف إلى التوحد بينما يهرع الآخر إلى الانقسام فمن يولد من جديد يتوحد مع الأب الواحد الذي هو النور والحياة ، ولن ترى الرؤية العلية سوى بالإمتناع عن الكلام عنها ، فالعرفان سكون الحواس ، والذي يعرف جمال الخير والاحسان الأول لن يعلم سواه ، جمال الإحسان الذي سوف يجتذب لا يسمع شيئاً، ولن يحرك جسده ، وسينسى حواسه الجسدية ، بينما ينشغل عقله في فصل روحه عن الجسد، ليوحده مع الكائن الخالد أبدا فالإنسان لن يستطيع أن يصير ملاكاً طالما كان يعتقد أنه جسد فحسب ، فلابد له أن يتحول بجمال الإحسان الخالد حتى يصبح إلهياً ، الحكمة رحم الميلاد من جديد والحمل هو الصمت والبذرة هي الإحسان والذين ولدوا من جديد لم يعودوا كما كانوا من قبل ، فقد أصبحوا إلهيين ، أبناء آتوم الإله الواحد فهم يتسعون لكل شيء، وهم في كل شيء وليسوا من المادة في شيء ، فهم عقل محض والميلاد من جديد ليس نظرية يمكن أن تحاول دراستها ولكن بمشيئة آتوم سوف يذكرك فالمرء لا يأمل في معرفة آتوم إلا بضبط شهواته ، وترك الأقدار لتصنع ما تشاء بجسده الطيني ، الذي ينتمي الى الطبيعة وليس إليه وليس له أن يحسن حياته بالسحر، أو يعارض قدره بالقوة ، بل عليه أن يترك الضرورة لتسلك سبلها وذو البصيرة يرى كل الأمور حسنة مهما بدت لغيره سيئة ويرى كيف بادر الناس له بالمكائد في ضل معرفته بآتوم الذي هو وحده يحول الشر إلى خير ، وبالتأمل فقط سوف تدرك أن كل ما قلته لك صحيح ، ولن تدرك بغير ذلك ولن تصدقني فالإيمان ينبع من التأمل ، والكفر يصدر من قلة الفكر الكلام للتفكر في الأشياء حتى قرارها وحده لا يستطيع التعبير عن الحقيقة ، لكن قوة العقل فائقة ، وحين يقودها الكلام فإنها تجد سلام الإيمان الحق ولن تفهم تعاليمي إلا بقوة العقل لقد رسمت لك قدر استطاعتي شبها لآتوم ، ولو نظرت إليه بعين قلبك فسوف يقودك إلى معراج التعالي اولئك الذين رأوها وتأخذ بأيديهم ترشدكم الرؤيا ذاتها بالقوة المخصوصة بها والكامنة فيها ، إذ هي تتملك كالمغناطيس الذي يجذب الحديد من الأرض فهذه رحلة المعرفة ، فسارع إليها وبالرغم من صعوبة هجر المألوف للعودة الى المنزل القديم الذي منه نشأنا، إلا أن لطف آتوم سابغ ، وكرمه لا ينتهي إنه بطبيعته كالموسيقى الذي يؤلف توافقات الكون ، ويوحي الى كل فرد بإيقاعات موسيقاه فإذا كانت الموسيقى نشازا فلا تلم المؤلف ، بل أوتار القيثار التي ترهلت لتلوث جمال النغمات ، حتى أن عيوبها لاحظت أنه عندما يتعامل الفنان مع موضوع نبيل تصبح قيثارته منضبطة بشكل كبير لكي تنطق بأمجاد موسيقية تدهش سامعيه ، واعترف أن الأمر كان كذلك معي رغم ضعفي ، وصارت موسيقاي جميلة بقوة آتوم ، وكذلك سوف تصبح موسيقاك كاملة ليس هنالك تنافر بين سكان السماء ، فليس لهم سوى غرض واحد ، وعقل واحد ، وشعور واحد ، حيث تربطهم تميمة الحب في كل متناسق ، وسوف يبدو لهم الجانب الأرضي من الكون وقحاً وغثاً بدون ألحان التسابيح الحلوة ولهذا أرسل آتوم جوقة ملائكة الغناء لتعيش بين بني البشر وتلهمهم بالموسيقى حتي يمجدوا الله بالتسابيح مع أناشيد السماء ، فلنسبح بحمد آتوم بعرفانٍ عميق ، فإنه يقبل كلمات الحمد ] "

                              ، فما أعظم هذه النصائح وما أعظم هذه البشارة ، فتحتار في العين دمعة وفي الحلق غصة حباً وشوقاً لما صورته المخيلات ، فلنكمل بما قاله المسيح عليه السلام للحواريون أتباعه حيث قال :

                                 [ إنما جئتكم من عند ابي وابيكم لأحييكم من موت الجهالة واداويكم من مرض المعاصي وأبرئكم من مرض الأراء الفاسدة والأخلاق الرديئة والأعمال السيئة كيما تتهذب نفوسكم وتحيا لروح المعارف وتصعدوا لملكوت السماء عند أبي وابيكم فتيعشوا هناك عيش السعداء وتتخلصوا من سجن الدنيا وآلام عالم الكون والبلى التي هي دار الأشقياء وجور الشياطين وسلطان إبليس ] "

                                  ولنعرض بعض ما ذكره صاحب الرسائل عليه السلام فقال :

                                    [ " لو كانوا يعلمون أبناء الدنيا الذين يريدون الحياة الدنيا ، ويتمنون الخلود فيها يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ، وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر فأعيذك أيها الأخ أن تكون منهم ، بل كن من أبناء الآخرة وأولياء الله الذين مدحهم بقوله تعالى توبيخاً لمن زعم أنه منهم فقال جل جلاله -:" قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء الله من دون الناس، فتمنوا الموت إن كنتم صادقين " فبادر يا أخي واجتهد في طلب المعارف الربانية واكتساب الأخلاق الملكية ، وسارع إلى الخيرات من الأعمال الزكية قبل فناء العمر وتقارب الأجل ، واغتنم خمساً قبل خمس ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اغتنم فراغك قبل شغلك ، وغناك قبل فقرك ، وصحتك قبل سقمك ، وشبابك قبل هرمك ، وحياتك قبل موتك ، وتزود فإن خير الزاد التقوى ، فلعلك توفق للصعود إلى ملكوت السماء وسعة الأفلاك ، وتدخل إلى الجنة عالم الأرواح بنفسك الزكية الروحانية لا بجسدك الجثة الجرمانية ، وفقك الله أيها الأخ للسداد ، وهدانا وإياك للرشاد وجميع إخواننا حيث كانوا في البلاد إنه رؤوف بالعباد ] 

                                      ويقول الحكيم المؤمن فيثاغورس مخاطباً تلميذه ديوجانس في وصيته الذهبية : 

                                        [ اذا فعلت ماقلت لك ياديوجانس وفارقت هذا البدن حتى تصير نحلا في الجو فتكون حينئذ سائحاً غير عائد الى الانسانية وغير قابل للموت ]

                                          ويقول الفيلسوف الموحد ارسطاطاليس :

                                            [ إني ربما خلوت بنفسي كثيرا ، وخلعت بدني فرصت كأني جوهر مجرد بلا جسم ، فأكون داخلاً في ذاتي وراجعاً إليها ، وخارجاً من سائر الأشياء سواي ، فأكون العلم والعالم والمعلوم جميعاً ، فأرى في ذاتي من الحسن والبهاء مابقيت متعجباً ، فأعلم عند ذلك بأني من العالم الشريف جزؤٌ صغير ، فإني لمحيا فاعل ، فلما أيقنت بذلك ، ترقيت بذهني من ذلك العالم الإلهي ، فرصت كأني هناك متعلق بها ، فعند ذلك يلمع من النور والبهاء ، مايكل الألسن عن وصفه والإذعان عن سمعه ، فإذا استغشي في ذلك النور وبلغت طاقتي ، ولم أقوى على إحتماله ، هبطت في عالم الفكرة ، فحجبت عني الفكرة ذلك النور ، وتذكرت عند ذلك أخي يرقليطوس ، من حيث آمر بالطلب والبحث عن جوهر النفس الشريفة بالصعود إلى عالم العقل ] " 

                                              ولنتدبر دعاء الفارابي حين دعا ربه قائلاً :

                                                [ اللهم ألبسني حلل البهاء وكرامات الأنبياء وسعادة الأغنياء وعلوم الحكماء وخشوع الأتقياء ، اللهم انقذني من عالم الأشقياء والفناء وإجعلني من إخوان الصفاء وأصحاب الوفاء وسكان السماء مع الصديقين والشهداء ]

                                                   وأيضاً لا ننسى النصيحة العظيمة التي قدمها الشيخ الرئيس إبن سينا قدس الله روحه فيقول : 

                                                    [ ليكن الله تعالى أول فكرٍ له وآخره ، وباطِن كل اعتبار وظاهره ولتكن عينُ نفسِك مكحولةً بالنظر إليه ، وقَدمها موقوفةً على المثول بين يديه ، مسافِرًا بعقله في الملكوت الأعلى وما فيه من آيات ربه الكبرى ، وإذا انحط إلى قراره ، فلينزه الله تعالى في آثاره ، فإنه باطنٌ ظاهر ، تجلى لكل شيءٍ بكل شيءٍ ، ففي كل شيءٍ له آية تدل على أنه واحد ، فإذا صارت هذه الحالة له ملكة ، انطبع فيها نقشُ الملكوت ، وتجلى له قدس اللاهوت ، فألِف الأُنسَ الأعلى ، وذاق اللذة القصوى ، وأخذه من نفسه من هو بها أولى ، وفاضت لها السكينة ، وحُقَّت لها الطمأنينة ، وتطلع على العالم الأدنى اطّلاع راحمٍ لأهله ، مستوهِن لِحبله ، مُستخفٍّ لثقله ، مستخشٍ به لعُلقه ، مُستضل لطرقه ، وتذكر نفسه وهي بها بهجة ، وببهجتها بهجة ، فيعجب منها وتعجبهم منه ، وقد ودعها ، وكان معها كأن ليس معها ، وليعلم أن أفضل الحركات الصلاة ، وأمثل السكنَات الصيام ، وأنفع البر الصدقة ، وأزكى السّر الاحتمال ، وأبطل السعي المراءاة ، ولن تتخلص النفس عن الدرن ، ما التفتت إلى قيلٍ وقال ، ومنافسة وجدال ، وانفعلت بحالٍ من الأحوال ، وخيرُ العمل ما صدر عن خالص نيّة ، وخيرُ النية ما ينفرج عن جنابِ علم ، والحكمة أم الفضائل ، ومعرفة الله أول الأوائل ، إليهِ يصعد الكَلِمُ الطيب والعمل الصالح ، يرفعه كذلك يهجر الكذب قولاً وتخيلاً حتى تحدث للنفس هئية صدوقة فتصدق الأحلام والرؤيا وأما اللذات فيستعملها على اصلاح الطبيعة وإبقاء الشخص أو النوع وأمّا المشروب فيهجرُ شربُه تلهيا لا تشفيا وتَدَاويا ، ويعاشر كل فرقةٍ بعادته ورسمه ، ويسمح بالمقدور والتّقدير من المال ، ويركب لمساعدة النّاس كثيرًا ممّا هو خلاف طبْعه ، ثم لا يقصّر في الأوضاع الشرعية ، ويعظم السُّنن الإلهيّة ، والمُواظَبَة على التعبدات البدنيّة عاهد الله أن يسير بهذه السيرة ويدين بهذه الديانة والله ولي الذين آمنوا وهو حسبنا ونعم الوكيل ] 

                                                      فبعد أن علمنا كيف يتصور العظماء بشارتهم أما آن لنا أن نغير نظرتنا لما نطمع ونسعى للتغير فيكفينا حباً للشهوات ويكفينا تمنياً لها في عالمٍ خليٍ منها ، عالم لا يخطر على بال بشر ، فاللهم ألحقننا بالعالم الروحاني و المحل النوراني وارزقنا منهم الرفيق الأعلى واللهم أخرجنا من هذا العالم البالي الفاني الكدر الظلماني والكثيف الجسماني إيانا وجميع المؤمنين إخواني برحمتك يا ارحم الراحمين ، وأهدي لجميع من يقرأ الآن هذا الدعاء العظيم دعاء " تنوير القلب " ووفقنا الله وإياكم وأرشدنا لسواء السبيل بحق محمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين .

                                                                            [ دعاء تنوير القلب ]

                                                                              ﷽

                                                            اللهم إني أعلم ان لك نسمات لطف إذا هبت على مريض عقل شفته ولك نفحات عطف إذا توجهت الى أسير هوى أطلقته وإن لك عناية إذا لاحظت غريقاً في بحر الهيولى أنقذته وإن لك رحمة إذا أخذت بيد شقي أسعدته وإن لك لطائف إذا ضاقت الحيل بالمذنب وسعته فأهب اللهم علي من لطفك نسمة يشفى بها مرض عقلي وإنفحني من عطفك نفحة تطلق بها أسري من هوى أهوائي وألحظني من عنايتك ملاحظة تنقذني من بحر ضلالتي وآتني من لدنك رحمه تبدلني بها سعادة من شقاوتي وأعطني من كرمك ماترزقني الإنابه إليك مع صدق اللجأ وأهلني لقرع باب جودك حتى يتصل قلبي بما عندك وترفع يد سؤالي بالإبتهال لطلب معرفتك وأتخذك مفزعاً أرفع إليك حاجتي وأعتمد عليك في جميع حالاتي برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم عليهم اجمعين .

                                                              بنج ..

                                                              الجمعة، 18 ديسمبر 2015

                                                              العشق

                                                              العشق كثرت فيه الاقوال فالبعض قال هو افراط في المحبة ، والبعض قال مرض نفساني والبعض قال جنون إلاهي لانهم لم يجدوا له دواء ، والحكماء والاطباء اليونانيين كانوا اذا أتعبهم علاج مريض وأيسوا منه ، حملوه إلى هيكل المشتري ، وتصدقوا عنه وصلوا لله تعالى ، وذبحوا القرابين وسألوا الكهنة ان يدعوا الله بالشفاء فإذا شفي اسموه طباً ومرضاً وجنون إلاهي .
                                                              فكما قال الشاعر :
                                                              بذلت لعراف اليمامة حكمة
                                                              وعراف نجد إن هما شفياني
                                                                              **
                                                              فما تركا من سلوة يـعرفانها
                                                              ولا رقــيـة إلا بــها رقــيـاني
                                                                              **
                                                              فــقــالا شــفــاك الله مــالــنا
                                                              بما ضمنت منك الضلوع يدانِ
                                                              ويقول الحكماء ، ان العشق يترك النفس فارغة من جميع الهم إلا هم المعشوق ، وكثرت الذكر له والتفكير في أمره ، وهيجان القلب ، والوله به وبأسبابه وعندما نتكلم عن العشق المعروف فنقول أن العشق هو شدة الشوق إلى الاتحاد والاتحاد خاصية الأمور الروحانية والاحوال النفسانية ، لان الامور الجسمانية لا يمكن فيها الاتحاد ، بل المجاوره والممازجة والمماسة فقط ، فأما الاتحاد فهو في الامور النفسانية كما سنبينه. فمبدأ العشق وأوله نظرة أو إلتفاته نحو شخص من الأشخاص فيكون مثلها كمثل حبة زرعت أوغصن غرس ، او نطفه وقعت في رحم ، فتنشأ وتنمو على ممر الأيام حتى تصير شجرة أو جنيناً وذلك ان همة العاشق ومناه هو الدنو والقرب من ذلك الشخص فإذا اتفق له ذلك وسهل ، تمنى الخلوة والمجاورة معه فإذا سهلت المجاورة تمنى المعانقة والقبلة فإذا سهل ذلك تمنى الدخول في ثوب واحد والالتزام بجميع الجوارح أكثر ما يمكن .. ومع هذه كلها الشوق بحاله لا ينقص شيئا بل يزداد وينموا كما قال الشاعر:
                                                              أعانقها والنفس بعد مشّوقةٌ
                                                              إليها وهل بعد العناق تنادني
                                                                               **
                                                              وألثم فاها كي تزول صبابتي
                                                              فيزداد ما ألقى من الهيامني
                                                              ونقول بأن روح الحياة إنما هو بخار رطب يتحلل من الرطوبة والدم وينشأ في جميع البدن ومنها تكون حياة البدن والجسم ومادة هذه الروح من استنشاق الهواء بالتنفس دائماً لترويح الحرارة الغريزية التي في توجد في داخل قلب الإنسان فإذا تعانق العاشق والمعشوق وتباوسا وإمتص كل واحد منهما ريق صاحبه وبلعه وصلت تلك الرطوبة إلى معدة كل واحد منهما وامتزجت هناك مع الرطوبات التي في المعدة ووصلت إلى جرم لكبد واختلطت بجميع أجزاء الدم هناك وانتشرت في العروق الواردة إلى سائر أطراف الجسد ثم إختلطت بجميع أجزاء البدن وصارت لحم ودم وشحم وعروق وعصب وما شاكل ذلك من بقية الجسد وهكذا أيضا إذا تنفس كل واحد منهما في وجه الأخر خرج من تلك الأنفاس شيء من نسيم روح كل واحد منهما وإختلط بأجزاء الهواء فيستنشقونه فإذا استنشقا من ذلك الهواء دخلت إلى خياشيهما أجزاء ذلك النسيم من الهواء المستنشق ويصل بعضه إلى مقدمة الدماغ ويسري فيه ويصول ويجول وبعض أجزاء ذلك الهواء المستنشق يصل إلى جرم الرئة من الحلقوم ومن الرئة إلى جرم القلب من النبض في العروق الضوارب إلى جميع أجزاء الجسد وفي بدن هذا ماتحلل من جسد ذاك فيكون من ذلك ضروب ومن المزاجات ضروب الأخلاط ومن تلك الأخلاط ضروب الأخلاق وذلك بحسب أمزجة ابدانهم ومن شأن النفس أن تتبع مزاج البدن في إظهار أفعالها وأخلاقها لأن مزاج الجسد وأعضاء البدن ومفاصله للنفس بمنزلة آلات وأدوات للصانع فلهذه الأسباب والعلل يتولد العشق والمحبة على ممر الأيام بين المتحابين وينشأ وينمو كمثل حبة زرعت أو كمثل جنين داخل رحم فأما الذي يتغير من المحبة ويفسد بعد التأكيد فلأسباب يطول شرحها ولكن نذكر أولا مالعلة في محبة شخص لشخص دون سائر الأشخاص والعلة في ذلك هو اتفاق مشاكلة الأشخاص الفلكية في أصل مولدهما بضرب من الضروب الموافقة من بعض لبعض وهي كثيرة ومنها أن يكون مولدهما ببرج واحد أو رب البرجين كوكب واحد أو يكون البرجان متفقين في بعض المثاني .

                                                              الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

                                                              حجر الفلاسفة وكيف يصير البراني جواني

                                                              نبدأ هذه المقالة بإسم الله الرحمن الرحيم ، ونسأل هل سمعت بحجر الفلاسفة من قبل ؟ على الغالب نعم فهو أشهر من نارٍ على علم لكنه أقرب مايكون للأسطورة لذلك لا يعطيه بالاً ، فقد عرض هذا الإسم الغامض ، بإسم حجر الفيلسوف في الفليم الشهير


                                                              [ هاري بوتر وحجر الفيلسوف ] 

                                                              harry potter and philosophers ston 

                                                              وأيضاً كان حجر الفلاسفة المحور الأساسي في أحد الإنميات اليابانية تحت إسم

                                                              [ المعدني الكيميائي الكامل ]

                                                              fullmaetal alchemist

                                                              وأتى هذا الأنمي الكيميائي بأن حجر الفلاسفة هو غاية جميع الخيميائيين حيث أنه يكسر كل قوانين الطبيعة ، لكنها تبقى مجرد قصص خيالية ، أما لو أتينا للواقع فقد كانت جميع الحضارات البشرية تبحث عن هذا الحجر السحري حجر الفلاسفة وعن إكسير الحياة ، فلنذكر أولاً أشهر الكيميائيين المعروفين لدى الغالبية ، فكان من الذين بحثوا بحفواةٍ عن هذا الحجر هو العالم الشهير في وقتنا الحاضر [ إسحاق نيوتن ] فقد كان كيميائياً ففي عام 1940 م ، وجد [ جون ماينارد كنيس ] صندوقاً يحتوي على أوراق خاصة لإسحاق نيوتن كان يدوّن فيها محاولاته اللانهائية للبحث عن حجر الفلاسفة ، وأيضاً كانت هنالك محاولات من بعض الخيميائيين في الحضارات السابقة ، فقد إرتبطت الخيمياء بهذا الحجر والخيمياء علم شريف منذ القدم وقد اختلفت مسمياته مابين chio ، وشامان ، وchem ، وكمت ، حتى وصلنا لكلمة chemis وهي تدل على السيمياء التي عرفها المصريون القدامى ، وقد كانت الكيمياء عملاً محرماً لدى العامة ، ولدى تجار الدين من الكهنوت الديني وينسبونه للسحر والشعوذة والكفر ، وأنها أعمال شيطانية تتعدى على حقوق الله بتحويل صنعته وخلقه لشكل آخر ، وأيضاً في 140 م.ق في زمن الإمبراطور الصيني الشهير [ ووتي ] إنشغل الخيميائيون في عهده بالبحث عن حجر الفلاسفة أو إكسير الحياة ، الذي كان يطلق عليه اسم [ التان ] وسعوا جاهدين لصنعه لكن بائت جميع محاولاتهم بالفشل ، وأيضاً تعمقت الحضارات الإغريقية كذلك في صناعة الكيمياء وأيضاً الحضارات الغربية القريبة حاولت صناعته ، وقد قال : [ مارشال بيتر ] مؤلف كتاب حجر الفلاسفة ان رجلاً إدعى انه إكتشف حجر الفلاسفة قد زار عالماً سويسرياً يدعى [ جوهان هيلفيتس ] عام 1666 م وترك قطعةً صغيرة منه للعالم كي يحللها وغادر على وعد أن يعود إليه لكي يوضح له كيف له أن يصنع حجر الفلاسفة ، وبعد أن قام العالم السويسري باستخدام قطعة الحجر في تحويل نصف أوقية من الرصاص إلى ذهب نقي ، لم يعد الزائر الغامض مرة أخرى لكي يكشف للعالم السويسري كيف يمكنه صنع حجر الفلاسفة ، وبينما ظن البعض أن حجر الفلاسفة يصنع من الدماء ويكون بقدرته السحرية إكسيراً للحياة وقد ظن البعض أنه مصنوع من الزئبق ، ولذلك شرب الإمبراطور الصيني [ تشين شي هوانق ] الزئبق وتوفي على أثره متأملاً حياة الخلود ، وبعد ان إستعرضنا وجود الكيمياء وأكسير الحياة في حضارات البشر لنتكلم عن معتقداتهم ، وعن حجر الفلاسفة فنقول حجر الفلاسفة بكل بساطة هو حجر سحري يحول أي معدن إلى ذهب أو فضة ، أو أي معدن خسيس إلى معدن نفيس ، وهو حجر يصنع منه إكسير الحياة لأطالة عمر الجسد وشفائه من كل الأسقام ، ولم يرى أحد الحجر هذا ، لكنهم تخيلوا انه قطعة من حجر نفيس ، بل أعتقد أكثرهم أن له خاصية سائلة و كانت أغلب الظنون أن حجر الفلاسفة هو مسحوق أسطوري أحمر اللون لذلك كانت فكرته تداعب عقول البشر وكان محل إهتمام الشعوب كافة وخصوصاً الملوك وأصحاب الرتب الدنوية العالية ، ولك أن تصدق ولك أن تكذب ، لكن دعونا نتكلم عن قوى بعض الأحجار الاخرى بعيداً عن حجر الفلاسفة ، فكما نعلم بأن هنالك أحجار عدة لها قوى روحانية سحرية عجيبة وكأقرب مثال حجر [ الهبهاب ] ! فهو أقرب مايكون لحجر سحري لا أحد يعلم له سراً وله قوى روحانية شديدة ، ولو رأيت كيف أنها تخرج منه دماء حية لتعجبت وتسائلت كيف صنع ومما صنع ، ويكون الحجر حاراً كحرارة الدم الحي ويتم الحصول عليه بين أنقاض الآثار القديمة ، ولكنها في الغالب تكون مطلسمة بطلاسم سحرية ، ويمكن الكتابة به فهو يخط على الصفائح البيضاء ، وهو حجر أقرب مايكون استخدامه للشر والخبث ونعوذ بالله من كل شر ، ولنطرح مثالاً آخر عن بعض قوى الأحجار ، فعرق السواحل حجر روحاني له قدرات عجيبة أيضاً لا يسعنا ذكرها وهو أنواع وأقرب مايكون للتكذيب عرق السواحل القنفذي ، الذي ينتجه القنفذ بأكله أفعى شديدة السمية عندما يحتاج لقوة هذا الحجر لأي سبب من الأسباب ، ويتم الحصول عليه بالخلسة ، قبل أن يُبطل القنفذ مفعولة بطريقته الخاصة عندما ينتهي منه ، وأيضاً هناك حجر خرز الحية و تاج الأفعى ، أو مايسمى في تراثنا النجراني القديم ربما البعض سمع بها من أحد كبار السن [ لولوة المنا ] فلها قدرات روحانية عجيبة وتستخرج من الأفاعي وقت تزاوجها وتكون إما خرزتين ذكر وانثى ويتم الحصول عليها بطرق خاصة لا يعرفها إلا أناس مختصون وقلة ، وتستخرج من ذكر الأفعى ، أو تكون خزرة واحدة ينتجها الداب بأكله مئات الأفاعي السامة ، فتصبح ثقيلةً في بطنه فحينما يتعب من المشي يخرجها ليرتاح قليلاً وهذا الحجر يكون مضيئاً في الليل كالفسفور ، أو يستخدمها ليغري فرائسة من القوارض بنوره ، فإن صدف ووجدتها قبل أن يبتلعها وقتلته حصلت عليها ونلت منافعها ، وغيرها الكثير من الأحجار ذات القوى الروحانية كالعقيق والسليماني وغيره ، والآن لنعود للخيمياء وزبدة موضوعنا وفن التلاعب بالمعادن أو المواد لكن بمحدودية أكثر فكما قلنا على مر التاريخ سعى القدماء لصنع مايسمى بحجر الفلاسفة الذي تكلمنا عنه في البداية ، وقد تراه شيئاً خرافياً أو شيئاً لا يصدق ، لكن لو نظرت بحيادية لوجدت أنك تؤمن بهذا الشيء حق الإيمان ، فلتقل كيف ذلك ؟! فنقول بأننا جميعنا كمسلمين أو كمسيحيين أو كيهود نعلم أن في حضاراتنا الدينية أن قارون الذي جاء ذكره في القران يحول التراب الى ذهب ، والبعض يقول بأنه عرف إسم الله الأعظم فتمكن من ذلك ، ولكن في القران الكريم ذُكر أن الله أتاه علماً ، ومن هنا أُخذ أنه يحول التراب أو أي معدن إلى ذهب ، ولو نظرنا إليها بالمنطق ، سنعلم أن الله لن يُنزل من السماء جبالاً من الذهب ليستقبلها قارون ، أو أن يأتي قارون ثم يدعوا الله فيتحول جبل من تراب إلا جبل من الذهب ، لذلك الله سبحانه وتعالى لم يعطي قارون الذهب جاهزاً ، كما أن الله سبحانه وتعالى لن يعطيك الخبز محمصاً ومحشواً بالجبن والعسل ، بل يجب أن تزرع وتحصد وتطحن وتعجن وتطبخ ، ثم لو نظرنا لهذه الفكرة من بابٍ خيميائي لوجدنا أن أنواع المعادن النفيسة تكونت طبيعياً بعد آلالاف السنين تحت الضغط بفعل اليبوسة والحرارة أو الرطوبة والبرودة ، أو الحرارة والرطوبة أو البرودة واليبوسة ، فماذا لو إستطعت أن تعلم كيف تكونت بالتفصيل وبمعادلات خيميائية إستطعت أن تسرّع من عملية تكوينها ، فهنا كل ماتحتاجه هو الزئبق والكبريت كما أورد أصحاب المعرفة ، أما الحرارة والرطوبة واليبوسة والبرودة فسهلٌ عليك تسخيرها ، ولننظر لأقوال الفلاسفة والحكماء السابقين والاخرين بأن أصل كل معدن زيبق وكبريت ، بل تخطوا ذلك وقالوا بأن كل مادة متكونة من العناصر الأربعة ، أو ماتسمى في عالم الفلسفة الأركان الأربعة ، أو الأمهات الأربعة ، أي أنها أم المولودات الثلاثة ، التي كان المعدن أول مولدٍ لها ، والأمهات الأربعة هي النار وهو حار يابس ، والهواء وهو حار رطب ، والتراب وهو بارد يابس والماء وهو بارد رطب ، فلو إستطعنا التلاعب بالعناصر الأربعة لإستطعنا تحويل أي شيء نريده إلى مانريد ، ولو إستطعنا التلاعب بالزيبق الذي بسببه تسمم مئات الخيميائيين عند محاولاتهم ترويض هذا العنصر العجيب لصنع الحجر ، وتلاعبنا بالكبريت وفككنا ترابطها وأعدنا ترتيبها لإستطعنا أن نغير تكوينها من معادن رخيصة إلى معادن نفيسة أو العكس ، ومن هنا أقول وأجزم بأن حجر الفلاسفة موجود ، وقد أتى لذكره جابر بن حيان أبو الكيمياء ، وهو تلميذ مولانا جعفر الصادق صلوات الله عليه وقد أسماه مولانا جعفر [ بجابر قلوب المنكسرين ] حين قال : عن نفسه [ سُميت جابر لإني جبرت العلم وأهله من البيان التام ] ، والقصة أن جابر أراد أن ينسب هذا العلم البديع لأستاذه لكن مولانا جعفر الصادق عليه السلام رفض ذلك ودعى له واثنى عليه ، ولسيدنا جابر مايقارب ثلاثة آلاف مؤلف لكن للآسف الشديد كانت الخيمياء في وقته محض سحر وشعوذة وقد كُفر ولعن وأحرقت كتبه ، من قبل أباطرة الدين الظاهري أعداء العلم والمعرفة ، ولجابر صنعة [ الماء الملكي ] ليعيد إسترجاع الذهب الذي إستطاع بذكائه أنه يخفيه في أسلاك من المعدن وهذا الماء الملكي يتميز بأنه يذيب الذهب ، ومازال يستخدم حتى وقتنا الحاضر ، والآن لنعد لحجر الفلاسفة فحجر الفلاسفة أو ما أسماه جابر ابن حيان

                                                              [ ” بالحجر الكريم المكرم المثلث الأركان ” ] ، وهو حجر يحوّل المعدن إلى ذهبٍ أو فضة وأشياء أخرى ، وكان هذا العلم الشريف وعلم الخيمياء من دروس مولانا جعفر الصادق صلوات الله عليه ، كما ذكر جابر عند شرح صناعة هذا الحجر حيث قال وهو يشرح :

                                                              [ ” كما أمر سيدي صلوات الله عليه “] ومن هنا بتنا نعلم بأن هذه كانت تعاليم مولانا جعفر ابن محمد الصادق صلوات الله عليه ، وعلى كل حال حتى لو قرأنا شرحه فلن نصل لحل رموزه إلا من شاء الله له ورزقه بهذا العلم الشريف ، فقد قال مولانا جعفر صلوات الله عليه لجابر حينما عرض عليه كتابه وأراد أن ينسبه لمولانا جعفر :

                                                               [ هذا كتابك جنة الخلد ينعم فيها البايس والفقير والمضطر ، وكذلك ذهب عنك كل تعب ونصب بإذن الله تعالى ويعلم الطريق الخالدي للاصباغ وينال القطوف الدانية والأنهار الجارية والأتمار ” ] لذلك أيقنت أنه لن يصل لفك رموزه إلا من إستحقه بفضلٍ من الله سبحانه ، ويقول أيضاً جابر عن صناعة هذا الإكسير العجيب : [ أشرت لما في هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا يقربه وقد بينت لك الذي أخفوه الحكماء من الورق ، ودفنوه في رموزهم من الألفاظ واتيتك بمظهر وبينت لك الطرقات جميعها على هذه المباقل لكن الناس لا يفهمون كل منا فظنوا وظلوا والان نعود الى ما كنا من ذكر التدابير القريبة والأحوال العجيبة من أحوال الحجر ] ، فلذلك يستحيل أن يترك هذا الفيلسوف الحكيم فرصةً صغيرة يستغلها أهل الباطل للدخول لهذا لهذه الجنة الكيميائية الشريفة ، ولن يقدر على حل هذه المعادلات إلا ذوي الرتب العالية من أهل الحق والخير ، وأما بشأن قدرة هذا الحجر العجيب لابد أن نأتي بطرف بسيط من شروحات الداعي الأجل لنبين بعضها ، فقد قال فيها :

                                                              [ ان اسقيته من الماء الأحمر بعد ذلك سبع سقيات واحد منه على ثمانية الاف من الاسرب أو من القمر يعود ذهباً ابريزاً وان القي منه على الزجاج صبغه ياقوتاً أحمر ، وان القي منه في أول سقيه فإنه يصبغ الف ومائتان من الفضة ذهباً ابريزا ] ” وبعد أن فرغنا من تعريف هذا الحجر السحري العجيب ، وبينا قواه الخيالية وإستعرضنا في البداية بعض تجارب البشر في محاولة صنعه ، وطرحنا نبذةً عن صاحبه ومحتضنه وصانعه ، فلابد أن نبين هذا القول لجابر ابن حيان فيقول : [ ” وهذا العمل المكتوم اذا فتشت عليه لم تجده في كتب الحكما لا من الأولين ولا من الاخرين فأفهم هذا التفصيل فهو راجع اليكم فوالله الذي فاق السماوات بقدرته والجبال بأمره انك لن تجد أحد من الأولين ولا من الاخرين تكلم بمثل ماتكلمت به فأعرف قيمة ماوصل إليك وكن أهله ومستحق له وهذا عهد الله قلدتك اياه ] ” فلذلك كان جابر أول من أتى بذكر هذا العلم اللطيف من الأولين والاخرين حيث وثقه لنفسه وشرح غموضه وطريقة صناعته وهي أقرب ماتكون للخيال لكن العلم لا خيال فيه ولا مستحيل ، وفي النهاية أتمنى أني لم أطل الحديث في شيء غير ضروري ولكن بقي أن أبين معنى عنوان هذه المقالة[ كيف يصير البراني جواني ] فالبراني هو ظاهر الشيء أي خارجه ، والجواني هو باطن الشيء أي داخله ، وقد ذكر هذه الجملة جابر في نهاية شروحاته حيث قال : 

                                                              [ ” فهذا زعمنا بأن البراني يصير جواني “]

                                                              أي هذا زعمنا بالقدرة على التلاعب بظاهر المعادن وباطنها ، لذلك لا أحد كجابر في الخيمياء ولن تلد الأرحام من يفوقه في صنعته ، والصلاة والسلام على مدينة العلم محمد ابن عبدالله وعلى بابها علي ابن أبي طالب صلاةً سرمدية ، وعلى آلهما الطيبين الطاهرين وعلى الائمة من نسلهم أجمعين فهم والله أهل العلم ومفيديه والسلام عليكم ورحمة الله . 


                                                              بنج

                                                              قول إبن سينا في حي بن يقضان

                                                              ماغاب عن الكثيرين حتى يومنا الحاضر ، من قصة حي بن يقضان ، تلك القصة التي تعادل ألف كتاب ، التي لاقت إنتشاراً واسعاً وشعبية كبيرة ، فكان خلاصتها في جزء بسيط كان خارج اطار الكتاب نفسه فيقول إبن سينا قدس الله روحه :

                                                              بسم الله الرحمن الرحيم

                                                              وماتوفيقي الا بالله واليه انيب وبعد فإن اصراركم معشر اخواني على اقتصاء شرح قصة حي بن يقضان هزم لجاجي في الامتناع ، وحل عقد عزمي على المماطلة والدفاع فإنقدت لمساعدتكم وبالله التوفيق إنه قد تيسرت لي حين مقامي ببلادي ” برزة “برفقائي إلى بعض المتنزهات المكتنفة لتلك البقعة فبينا نحن نتطاول إذ عنّ لنا شيخ بهي قد أوغل في السن ، وأخنت عليه السنون ، وهو في طراة العز لم يهن منه عظم ، ولا تضعضع له ركن ، وما عليه من المشيب إلا رواء من يشيب ، فنزعت إلى مخاطبته ، وانبعثت من ذات نفسي لمداخلته ومجاراته ، فملت برفقائي إليه فلما دنونا منه ، بدأنا هو بالتحية والسلام ، وافتر عن لهجة مقبولة ، وتنازعنا الحديث حتى أفضى بنا إلى مسائلته عن كنه أحواله ، واستعلامه سنه ، وصناعته ، بل إسمه ، ونسبه ، وبلده ، فقال : أما أسمي ونسبي فحي بن يقضان ، وأما بلدي فمدينة بيت المقدس ، وأما حرفتي فالسياحة في أقطار العوالم ، حتى أحطت بها خبرا ، ووجهي إلى أبى وهو حي ، وقد عطوت منه مفاتيح العلوم كلها ، فهداني الطريق السالكة إلى نواحي العالم ، حتى زويت بسياحتي آفاق الأقاليم ، فما زلنا نطارحه المسائل في العلوم ، ونستفهمه غوامضها ، حتى تخلصنا إلى علم الفراسة ، فرأيت من إصابته فيه ما قضيت له آخر العجب ، وذلك أنه ابتداء لما انتهينا إلى خبرها فقال : ” إن علم الفراسة لمن العلوم التي تنقد عائدتها نقداً فيعلن ما يسره كل من سجيته فيكون تبسطك إليه وتقلصك عنه بحسبه ، وأن الفراسة لتدل منك على عفو من الخلائق ومنتقش من الطين ، وموات من الطبائع وإذا مستك يد الإصلاح أتقنتك ، وإن خرطك العار في سلك الذلة انخرطت وحولك هؤلاء الذين لا يبرحون عنك إنهم لرفقة سوء ، ولن تكاد تسلم عنهم وسيفتنونك أو تكتنفك عصمة وافرة ، واما هذا الذي أمامك فباهت مهذار يلفق الباطل تلفيقاً ، ويختلق الزور اختلاقاً ، ويأتيك بأنباء ما لم تزوده قد درن حقها بالباطل ، وضرب صدقها بالكذب على أنه هو عينك و طليعك ، ومن سبيله أن يأتيك بخبر ما غرب جنابك وعزب من مقامك ، وأنك لمبتلى بانتقاد حق ذلك من باطله ، والتقاط صدقه من زوره ، واستخلاص صوابه من غواشي خطئه ، إذ لا بد لك منه فربما أخذ التوفيق بيدك ، ورفعك عن محيط الضلالة ، وربما أوقفك التحير ، وربما غرك شاهد الزور ، وهذا الذي عن يمينك أهوج ، إذا انزعج هائجه لم يقمعه النصح ، ولم يطأطئه الرفق ، كأنه نار في حطب ، أو سيل في صبب ، أو قرم مغتلم ، أو سبع ثائر ، وهذا الذي عن يسارك فقذر شره ، قرم شيق لا يملأ بطنه إلا التراب ، ولا يسد غرثه إلا الرغام ، لعقة ، لحسة ، طعمة ، حرصة ، كأنه خنزير أجيع ، ثم أرسل في الجلة ولقد ألصقت يا مسكين بهؤلاء إلصاقاً لا يبريك عنهم إلا غربة تأخذك إلى بلاد لم يطأها أمثالهم ، وإذ لات حين تلك الغربة ولا محيص لك عنهم فلتطلهم يدك ، وليغلبهم سلطانك ، وإياك أن تقبضهم زمامك ، أو تسهل لهم قيادك ، بل استظهر عليهم بحسن الإيالة ، وسمهم سوم الاعتدال ، فإنك إن متنت لهم سخرتهم ولم يسخروك ، وركبتهم ولم يركبوك ، ومن توافق حيلك فيهم أن تتسلط بهذا الشكس الزعر على هذا الأرعن النهم ، تزبره زبراً ، فتكسره كسراً ، وأن تستدرج غلواء هذا التائه العسر بخلاية هذا الأرعن الملق فتخفضه خفضاً ، وأما هذا المموه المتحرص ، فلا تحتج إليه و يأتيك موثقاً من الله ، غليظاً ، فهنا لك صدقه تصديقاً ، ولا تحجم عن إصاخة إليه لما ينهيه إليك وإن خلط فإنك لن تعدم من أنبائه ما هو جدير باستثباته وتحققه به . فلما وصف لي هؤلاء الرقة وجدت قبولى مبادراً الى تصديق ما قرفهم به ، فلما استأنفت في امتحانهم طريقة المعتبر صحح المختبر فهم الخبر عنهم ، وأنا في مزاولتهم ومقاساتهم فتارةً لى اليد عليها ، وتارة لها علي، والله تعالى المستعان على حسن مجاورته هذه الرفقة إلى حين . ثم إنى استهديت هذا الشيخ سبيل السياحة استهداء حريص عليها مشوق اليها ، فقال : إنك ومن هو بسبيلك من مثل سياحتط لمصدود ، وسبيله عليك وعليه لسدود ، أو يسعدك التفرد وله موعد مضروب لن تسبقه ، فإقتنع بسياحة مدخولة بإقامة تسيح حيناً ، وتخالط هؤلاء حيناً ، فمتى تجردت للسياحة بكنة نشاطك ، وافقتك وقطعتهم ، وإذا حننت نحوهم انقلبت إليهم وقطعتني حتى يأتى لك أن تتولى براءتك منهم ، فرجع بنا الحديث إلى مساءلته عن إقليم إقليم مما أحاط بعلمه ، ووقف عليه خبره ، فقال لي : إن حدود الأرض ثلاثة ، حد يحده الخافقان وقد أدرك كنهه وترامت به الأخبار الجلية المتواترة ، والغريبة يجل ما يحتوى عليه وحدان غريبان ، حد المغرب ، وحد قبل المشرق ، ولكل واحد منهما صقع قد ضرب بينهما ، وبين عالم البشر حد محجور لن يعدوه إلا الخواص منهم ، المكتسبون منه ، لم يتأت للبشر بالفطرة ، ومما يفيدها الاغتسال في عين خرارة جوار عين الحيوان الراكدة ، إذا هدى إليها السايح فتطهر بها وشرب من فراتها سرت في جوارحه منة مبتدعة يقوى بها على قطع تلك المهام ، ولم يترسب في البحر المحيط ، ولم يكأده جبل قاف ، ولم تدهدهه الزبانية مدهدهة إلى الهاوية فاستزدناه شرح هذه العين فقال : سيكون قد بلغكم حال الظلمات المقيمة بناحية القطب فلا يستطيع عليها الشارق في كل سنة إلى أجل مسمى أنه من خاضها ولم يحجم عنها ، أفضى إلى فضاء غير محدود ، قد شحن نوراً ، فيعرض له أول شيء عين خرارة تمد نهراً على البرزخ من اغتسل منها خف على الماء ، فلم يرجحن إلى الغرق ، وتقمم الشواهق غير منصب حتى تتلخص إلى أحد الحدين المنقطع عنهما ، فاستخبرناه عن الحد الغربي لمعاقبة بلادنا إياه ، فقال : إن بأقصى المغرب بحراً كبيراً حامئاً قد سمي في الكتاب الإلهي عيناً حامئة ، وإن الشمس تغرب من تلقائها ، وممد هذا البحر من إقليم غامر فات التحديد رحبه لا عمار له إلا الغرباء يطرؤون عليه والظلمة معتكفة على أديمه ، وانما ينمحل المهاجرون إليه لمعة نور مهما جنحت الشمس للوجوب وأرضه سبخة كلما أهلت بعمار نبت لهم فابتنى بها آخرون ، يعمرون فينهار ويبنون فينهال . وقد أقام الشجار بين أهله بل القتال فأينما طائفة عزت استولت على عقر ديار الآخرين ، وفرضت عليهم الجلاء تبتغي قراراً ، فلا يستخلص إلا خسارا ، وهذا ديدنهم لا يفترون وقد تطوق هذا الإقليم كل حيوان ، ونبات ، لكنها إذا استقرت به ورعته ، وشربت من مائه ، غشيته غواش غريبة من صورها فترى الإنسان فيها قد جلله مسك بهيمة ونبت عليه أثيث من العشب ، وكذلك حال كل جنس آخر ، فهذا أقليم خراب سبخ مشحون بالفتن ، والهيج ، والخصام ، والهرج ، يستعير البهجة من مكان بعيد . وبين هذا الإقليم وإقليمكم أقاليم أخرى لكن وراء هذا الإقليم مما يلي محط أركان السماء إقليم شبيه به في أمور منها أنه صفصف غير آهل إلا من غرباء واغلين ، ومنها أنه يسترق النور من شعب غريب ، وإن كان أقرب إلى كوة النور من المذكور قبله ، ومن ذلك أنه مرس قواعد السماويات ، كما أن الذي قبله مرس قواعد هذه الأرض ومستقر لها ، لكن العمارة في هذا الإقليم مستقرة لا مغاصبة بين واردها للمحاط ، ولكل أمة صقع محدود لا يظهر عليهم غيرهم غلابا ، فأقرب معامره منا بقعة سكانها أمة صغار الجثث ، حثاث الحركات ، ومدنها ثمان مدن ، ويتلوها مملكة أهلها أصغر جثثا من هؤلاء ، وأثقل حركات ، يلهجون بالكتابة ، والنجوم ، والنيرنجات والطلسمات ، والصنائع الدقيقة ، والأعمال العميقة ، مدنها تسع ، ويتلوها وراءها مملكة أهلها متمتعون بالصباحة ، مولعون بالقصف والطرب ، مبرأون من الغموم ، لطاف لتعاطي المزاهر ، مستكثرون من ألوانها ، تقوم عليها امرأة قد طبعوا على الإحسان والخير ، فإذا ذكر الشر اشمأزوا عنه ومدنها ثمانى مدن . ويتلوها مملكة قد زيد لسكانها بسطة في الجسم ، وروعة في الحسن ، ومن خصالهم أن مفارقتهم من بعيد عزيزة الجدوى ، ومقاربتهم مؤذية ومدنها خمس مدن . ويتلوها مملكة تأوى إليها أمة يفسدون في الأرض حبب إليهم الفتك ، والسفك ، والاغتيال ، والمثل مع طرب ولهو ، يملكهم أشقر مغري بالنكب ، والقتل ، والضرب ، وقد فتن كما يزعم رواة أخبارها بالملكة الحسنى المذكور أمرها قد شغفته حباً ، ومدنها سبع مدن . ويتلوها مملكة عظيمة أهلها غالون في الصفة ، والعدالة ، والحكمة ، والتقوى ، وتجهيز جهاز الخير إلى كل قطر ، واعتقاد الشفقة على كل من دنا وبعد ، وبذل المعروف إلى من علم وجهل ، وقد جسم حظهم من الجمال والبهاء ، ومدنها سبع مدن . ويتلوها مملكة كبيرة يسكنها أمة غامضة الفكر ، مولعة بالشر ، فإن جنحت للإصلاح أتت نهاية التأكيد ، وإذا وقعت بطائفة لم تطرقها طروق متهور ، بل توختها بسيرة الداهي المنكر ، لا تعجل فيما تعمل ، ولا تعتمد غير الأناة فيما تأتي وتذر ومدنها سبع مدن . ويتلوها مملكة كبيرة كبيرة منتزحة الأقطار ، كثيرة العمار ، بقعة لا يتمدنون إنما قرارهم قاع صفصف مفصول باثني عشر حداً فيها ثمانية وعشرون محطاً لا تعرج طبقة منهم إلى محط طبقة إلا إذا خلا من أمامهم عن دورهم فسارعته إلى خلافها ، وإن امم الممالك التى قبلها لتسافر ، إليها وتتردد فيها ، ويليها مملكة لم يدرك أفقها إلى هذا الزمان لا مدن فيها ، ولا كور ، ولا يأوى إليها من يدركه البصر ، وعمارها الروحانيون من الملائكة ، لا ينزلها البشر ، ومنها ينزل على من يليها الأمر والقدر ، وليس وراءها من الأرض معمور ، فهذان الإقليمان بهما يتصل الأرضون والسماوات ، ذات اليسار من العالم ، التي هي المغرب ، فإذا توجهت منها تلقاء المشرق رفع لك أقليم لا يعمره بشر ، بل ولا نجم ، ولا شجر ، ولا حجر ، إنما هو بر رحب ، ويم غمر ، ورياح محبوسة ، ونار مشبوبة ، وتجوزه إلى أقليم تلقاءك فيه جبال راسية ، وأنهار ، ورياح مرسلة ، وغيوم هاطلة ، وتجد فيها العقبان ، واللجين ، والجواهر الثمنية ، والوضيعة أجناسها ، وأنواعها ، إلا أنه لا نابت فيه ويؤديك عبوره إلى إقليم مشحون بما خلا ذكره إلى ما فيه ، من أصناف النبات ، نجمة ، وشجرة مثمرة ، وغير مثمرة ، محبة ومبررزة ، لا تجد فيه من يضيء ويضفز من الحيوان ، وتتعداه إلى إقليم يجتمع لك ما سلف ذكره إلى أنواع الحيوانات العجم ، سابحها ، وزاحفها ، ودارجها ، ومدومها ومتولداتها ، إلا أنه لا أنيس فيه ، وتخلص عنه إلى عالمكم هذا . وقد دللتم على ما يشتمله عياناً وسماعاً ، فإذا قطعت سمت المشرق ، وجدت الشمس تطلع بين قرني الشيطان ، فإن للشيطان قرنين ، قرن يطير ، وقرن يسير ، والأمة السيارة منها قبيلتان ، قبيلة فى خلق السباع ، وقبيلة فى خلق البهائم ، وبينهما شجار قائم ، وهما جميعاً ذات اليسار من المشرق ، وأما الشياطين التى تطير فإن نواحيها ذات اليمين من المشرق ، لا تنحصر في جنس من الخلق ، بل يكاد يختص كل شخص منها بصيغة نادرة ، فمنها خلق لمس في خلقين ، أو ثلاثة ، أو أربعة ، كإنسان يطير ، وأفعوان له رأس خنزير ، ومنها خلق هو خداج من خلق مثل شخص وهو نصف إنسان ، وشخص هو فرد رجل إنسان ، وشخص هو كف إنسان ، أو غير ذلك من الحيوان ، ولا يبعد أن يكون التماثيل المختلطه التى يرقمها المصورون منقولة من ذلك الإقليم ، والذي يغلب على أمر هذا الأقليم قد رتب سككاً خمساً للبريد ، جعلها أيضا مسالح لمملكته ، فهناك يختطف من يستهوي من سكان هذا العالم ، ويستثبت الأخبار المنتهية منه ويسلم من يستهوي إلى قيم على الخمسة مرصد بباب الإقليم ، ومعهم الأنباء في كتاب مطوي مختوم ، لا يطلع عليه القيم ، إنما له وعليه أن يوصل جميعه إلى خازن يعرضه على الملك ، وأما الأسرى فيتكلفهم هذا الخازن ، وأما آلاتها فيستحفظها خازناً آخر ، وكلما استأسروا من عالمكم أصنافاً من الناس ، والحيوان ، وغيره ، تناسلوا على صورهم مزاجاً منهما ، وإخراجاً إياها . ومن هذين القرنين من يسافر إلى أقليمكم هذا فيغشى الناس في الأنفاس حتى تخلص إلى السويداء من القلوب ، فأما القرن الذي في صورة السباع من القرنين السيارين فإنه يتربص بالإنسان طروا أذى معتباً عليه فيسفره ويزين له سوء العمل ، من القتل والمثل ، والإيحاش ، والإيذاء فيربى الجور في النفس ، ويبعث على الظلم والغشم ، وأما القرن الآخر منهما فلا زال يناجى بال الإنسان بتحسين الفحشاء من الفعل ، والمنكر من العمل ، والفجور إليه ، وتشويقه إليه ، وتحريضه عليه، قد ركب ظهر اللجاج ، واعتمد على الإلحاح حتى يجره إليه جراً، وأما القرن الطيار فإنما يسول له التكذيب بما لا يرى ويصور لديه حسن العبادة للمطبوع والمصنوع ، ويساود سر الإنسان أن لا نشأة أخرى ، ولا عاقبة للسوي والحسنى ، ولا قيوم على الملكوت ، وإن من القرنين لطوائف تصاقب حدود إقليم وراء إقليمكم تعمره الملائكة الأرضية ، تهدي بهدي الملائكة ، قد نزعت عن غواية المردة ، وتقيدت سير الطيبين من الروحانيين ، فأولئك إذا خالطوا الناس لم يعبثوا بهم ولا يضلوهم ، ويحسن مظاهرتهم على تطهيرهم ، وهى جن وحن ، ومن حصل وراء هذا الإقليم وغل في أقاليم الملائكة ، فالمتصل منها بالأرض إقليم سكنته الملائكة الأرضيون ، وإذا هم طبقتان : طبقة ذات الميمنة ، وهى علامة أمارة ، وطبقة تحاذيها ذات الميسرة ، وهى مؤتمرة عمالة ، والطبقتان تهبطان إلى أقاليم الجن والإنس هويا ، وتمنعان في السماء رقياً ، ويقال إن الحفظة الكرام ، والكاتبين منهما ، وإن القاعد مرصد اليمين من الأمارة وإليه الإملاء ، والقاعد مرصد اليسار من العمالة وإليه الكتاب ، ومن وجد له إلى عبور هذا الإقليم سبيل خلص إلى ما وراء السماء خلوصاً ، فلمح ذرية الخلق الأقدم ولهم ملك واحد مطاع ، فأول حدوده معمور بخدم لملكهم الأعظم ، عاكفين على العمل المقرب إليه زلفى ، وهم أمة بررة لا تجيب داعية نهم ، أو قرم ، أو غلمة ، أو ظلم ، أو حسد ، أو كسل ، قد وكلوا بعمارة ربض هذه المملكة ، ووقفوا عليه وهم حاضرة متمدنون يأوون إلى قصور ومشيدة ، وأبنية سرية تنوف في عجن طينتها حتى انعجن ما لا يشاكل طينة إقليمكم ، وإنه لأجلد من الزجاج ، والياقوت ، سائر مايستبطأ أمد بلائه ، وقد أملى لهم في أعمارهم ، وأنسىء في آجالهم فلا يحرمون دون أبعد الآماد ، ووتيرتهم عمارة الريض طائعين ، وبعد هؤلاء أمة أشد أختلاطاً بملكهم ، مصرون على خدمة المجلس بالمثول ، وقد صئنوا فلم يتبدلوا بالاعتمال ، واستخلصوا للقربى ، ومكنوا من رموق المجلس الأعلى ، والحفوف حوله ، ومتعوا بالنظر إلى وجه الملك وصالا لا فعال فيه ، وحلو تحلية اللطف في الشمائل ، والحسن ، والثقافة في الأذهان ، والنهاية في الإشارات ، والرواء الباهر ، والحسن الرائع ، والهيئة البالغة ، وضرب لكل واحد منهم حد محدود ، ومقام معلوم ، ودرجة مفروضة ، لا ينازع فيها ولا يشارك ، فكل من عداه يرتفع عنه ، أو يسمج نفساً بالقصور دونه ، وأدناهم منزلة من الملك واحد هو أبوهم وهم أولاده وحفدته ، وعنه يصدر إليهم خطاب الملك ومرسومه ، ومن غرائب أحوالهم أن طبائعهم لا تستعجل بهم إلى الشيب والهرم ، وأن الوالد منهم ، وإن كان أقدم مدة فهو أسبغ منه ، وأشد بهجة ، وكلهم مسخرون وقد كفوا الاكتفاء ، والملك أبعدهم في ذلك مذهباً ، ومن عزاه إلى عرق فقد زل ، ومن ضمن الوفاء بمدحه فقد هذى ، قد فات قدر الوصاف عن وصفه ، وحادت عن سبيله الأمثال ، فلا يستطيع ضاربها إلا بتباين أعضاء ، بل كله لحسنه وجه ، ولجوده يد ، يعفى حسنه آثار كل حسن ، ويحقر كرمه نفاسة كل كرم ، ومتى هم بتأوله أحد من الحافين حول بساطه غض الدهش طرفه فآب حسيراً يكاد بصره يختطف قبل النظر اليه ، وكان حسنه حجاب ، وكان ظهوره سبب بطونه ، وكان تجليه سبب خفائه ، كالشمس لو انتقبت يسيراً ، لاستغلت كثيراً ، فلما أمعنت في التجلى احتجبت وكان نورها حجاب نورها ، وإن هذا الملك لمطلع على ذويه بهاءه لا يضن عليهم بلقائه ، وإنما يؤتون من دنو قواهم دون ملاحظته ، وإنه لسمح فياض ، واسع البر ، غمر النائل ، رحب الفناء ، عام العطاء ، من شاهد أثراً من جماله وقف عليه لحظة ، ولا يلفته عنه غمزة ، ولربما هاجر إليه أفراد من الناس فيتلقاهم من فواضله ما ينوبهم ويشعرهم احتقار متاع إقليمكم هذا ، فإذا انقلبوا من عنده انقلبوا وهم مكرهون .

                                                              قال الشيخ حي بن يقضان لولا تغربي إليه بمخاطبتك منبهاً إياك لكان لي به شاغل عنك ، وإن شئت اتبعتني إليه والسلام .

                                                              بنج