الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

كيف تتشبه بالأجرام السماوية

اللهم نوّر قلبي بنور الإيمان يارحمان

وأرزقني جسماً روحانياً وقلباً سماوياً

ونفساً طاهرة ، وعيناً إليك بنورك ناظرة


قال سبحانه وتعالى : 
” الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا
وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ ويَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَاخَلَقْتَ هَٰذَا
بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ”

لو نظرنا بتمعن إلى تلك السماوات ،
وإلى تلك الأجرام السماوية بديعة الصورة والبهاء ،
وتفكرنا فيها لوجدناها كائنةً في ثلاثة أضرب ،
فالضرب الأول :
 فهي تقوم بتدبير ماتحتها من عالمنا الأرضي ، بمشيئة الله وماتعطيه إياه من تسخين وتبريد ، وإضاءة وتلطيف وتكثيف وبث الحياة في كثير من الخلق ، كنور الشمس لنرى ، ودفئها لنحيا وتحيا المخلوقات ، وكبعض سائر العنايات الخفية التي تقوم بها باقي الأجرام السماوية للأرض ومن عليها من الكائنات الحية مختلفة الأوصاف والهيئات .
والضرب الثاني :
كونها شفافة وناصعة وطاهرة منزهه عن الكدر وضروب الرجس ومتحركة بالإستدارة بعضها على مركزها وبعضها على مركز غيرها .
أما الضرب الثالث :
 كونها تشاهد الموجود واجب الوجود ، مشاهدةً دائمة وتعرض عنه ، وتتشوق إليه وتدور عشقاً له ، وتسبحه بآلحانٍ بديعة الجمال وتتصرف بحكمه ، وتتسخر في إرادته جل جلاله ولا تتحرك إلا بمشيئته وفي قبضته دائمة الرحمةِ والرأفة . فلوا أننا تفكرنا في هذه الضروب الثلاثة لتعلمنا منها وتشبهنا بها بحسب طاقتنا البشرية فنقول :

 إن تشبهنا بالضرب الأول : الذي كان تدبيرها لعالمنا الأرضي ، فنكون في همةٍ للخير ومساعدة بعضنا البعض ، فنخدم بعضنا البعض ، فالغني يساعد الفقير والتام الخلقة يساعد ذوي الإحتياج ، وكنا كما قال رسول الله ” مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ” ، وما أن نرى عائقاً في طريق إنسان أو حيوان أو نبات أو أرض قاحلة ، إلا وأزلناه لتستمر حياته ، فمثلاً إن جاع حيوان أطعمناه واذا حُجب نور الشمس عن نبات أزلناه ، وإن رأينا أرضاً قاحلة لا يصلها الماء فتحنا لها مجرى وسبيل ، وإلى آخره من أعمال الخير اللي فيها حياة لجميع المخلوقات ، وقد كان أبا ذر عليه السلام من شدة إيمانه إذا لقي في طريقه ذراً ( النمل الصغير ) حمله ورفعه عن الطريق، تورعاً وخوفاً من أن تدوسها أقدامه أو أقدام غيره ، ولك في ذلك يا أخي الإنسان عبرة ، فإن فعلنا ذلك بتأيدٍ من الله فنكون حينها كما تلك الأجرام الشعشعانية ، المسخرة رحمةً لنا ولغيرنا .

أما الضرب الثاني : فكونها جميلة ، طاهرة ، شفافة ومنيرة ، فنقول بإذن الله تعالى ، إن تشبهنا بهذه الصفات بحسب طاقتنا البشرية ، وإهتممنا بنظافتنا وطُهر أنفسنا من درن الذنوب ، وطُهر أجسادنا من الرجس والنجاسات ، وقد قال تعالى ” ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ” ثم تطيبنا بأجمل الروائح والأطياب ، ولبسنا تلك الملابس النظيفة ، الزاهية ناصعة البياض ثم نظرنا لمكان عيشنا فأزلنا عنه كل ما يشوبه وبدأنا بنتظيفه وترتيبه وتزيينه بأنواع الأحجار الكريمة ، والأشجار الخضراء لنعيش طاهرين في مكانٍ طاهر ، يكسونا الجمال ويكسوا أرضاً نسكنها ، فإن الله جميل يحب الجمال ،

فإن فعلنا ذلك بمشيئة الله وتأييده ، كنا كما تلك الكواكب المنيرة الطاهرة .

 وأما الضرب الثالث : فكونها تشاهد الموجود واجب الوجود مشاهدةً دائمة ، وتدور عشقاً وشوقاً له ، وتتسخر في إرادته فنقول :

أن تشبهنا بها يكون ، في التفكر في مخلوقاته ، وتسبيحه والتآمل ببديع صنعه ، والتشوق إليه ، والسعى للقرب منه ، وتسخير أجسادنا وأرواحنا ، لعبادته عشقاً لا خوفاً ورهبة ، وكما قال الشيخ
الرئيس إبن سينا قدس الله روحه : ” وليعلم أن أفضل الحركات الصلاة “، فنتحرك شوقاً إليه وعشقاً بصلاتنا ، وقال : ” وأمثل السكنات الصيام ” فتارةً نتحرك عشقاً وهياماً ونشاط ، وتارةً نسكن خشوعاً وجوعاً وتأملا ، ومن ثم نتمم باقي تلك الشرائع المحمدية التي كانت لنا سبيلٌ لنجاتنا ، بكل محبةٍ ولهفةً لثنائه علينا ، والدنو من موضعه الشريف الكريم ببضع خطوات ، وإمتثالاً لعروتنا الوثقى من ولده صلوات الله عليهم آجمعين ، بدون تملل أو تعب ، فنكون قد جعلناه سبحانه وتعالى في قلوبنا لا يغيب عنها طرفة عين ، وكانت أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم الجميل وكنا كما تلك الكواكب الدرية والأجرام السماوية .

فهذا ماكان من التشبة بتلك الأجرام السماوية الشفافة ، المنيرة الدائمة العشق والدوران ، المسخرة لتدبير هذا العالم السفلي ، الذي هو عالم الكون والفساد ، فإن قمنا بذلك لعشنا في سلام وكان منا وإلينا السلام ، فنحضى بالحياة السرمدية ، في سعادةٍ محضة ندور عشقاً للموجود واجب الوجود ، ونرقص فرحاً على عزف موسيقارٍ حكيم لا تخطر
لذةَ أنغامة على قلب بشر ، ونتمايل فرحاً على صوت تسبيح الملائكة في عالم الملكوت الأعلى عالم القدس والروح والريحان ،
كما قال جلال الدين الرومي : “ حباً بك أسير والرأس مرفوع ، رغبة فيك أمشي دون توقف، يقولون لي تدور حوله ، جهلة ! أدور على نفسي

فإن تشبهنا بهذه الضروب الثلاثة كنا ملائكة أرضيين وأعني ملائكةً بالقوة ولا يفصلنا عن عالم الملائكة السماويين إلا المنية والموت لنحيى بعده ملائكة بالفعل ، 

والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الأطهار عدد كلمات الله التي لو أن مافي الأرض من شجرة أقلام ، والبحر يمده من بعده سبعة أبحر مانفدت إن الله عزيز حكيم .

بنج ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق