الجمعة، 18 ديسمبر 2015

العشق

العشق كثرت فيه الاقوال فالبعض قال هو افراط في المحبة ، والبعض قال مرض نفساني والبعض قال جنون إلاهي لانهم لم يجدوا له دواء ، والحكماء والاطباء اليونانيين كانوا اذا أتعبهم علاج مريض وأيسوا منه ، حملوه إلى هيكل المشتري ، وتصدقوا عنه وصلوا لله تعالى ، وذبحوا القرابين وسألوا الكهنة ان يدعوا الله بالشفاء فإذا شفي اسموه طباً ومرضاً وجنون إلاهي .
فكما قال الشاعر :
بذلت لعراف اليمامة حكمة
وعراف نجد إن هما شفياني
                **
فما تركا من سلوة يـعرفانها
ولا رقــيـة إلا بــها رقــيـاني
                **
فــقــالا شــفــاك الله مــالــنا
بما ضمنت منك الضلوع يدانِ
ويقول الحكماء ، ان العشق يترك النفس فارغة من جميع الهم إلا هم المعشوق ، وكثرت الذكر له والتفكير في أمره ، وهيجان القلب ، والوله به وبأسبابه وعندما نتكلم عن العشق المعروف فنقول أن العشق هو شدة الشوق إلى الاتحاد والاتحاد خاصية الأمور الروحانية والاحوال النفسانية ، لان الامور الجسمانية لا يمكن فيها الاتحاد ، بل المجاوره والممازجة والمماسة فقط ، فأما الاتحاد فهو في الامور النفسانية كما سنبينه. فمبدأ العشق وأوله نظرة أو إلتفاته نحو شخص من الأشخاص فيكون مثلها كمثل حبة زرعت أوغصن غرس ، او نطفه وقعت في رحم ، فتنشأ وتنمو على ممر الأيام حتى تصير شجرة أو جنيناً وذلك ان همة العاشق ومناه هو الدنو والقرب من ذلك الشخص فإذا اتفق له ذلك وسهل ، تمنى الخلوة والمجاورة معه فإذا سهلت المجاورة تمنى المعانقة والقبلة فإذا سهل ذلك تمنى الدخول في ثوب واحد والالتزام بجميع الجوارح أكثر ما يمكن .. ومع هذه كلها الشوق بحاله لا ينقص شيئا بل يزداد وينموا كما قال الشاعر:
أعانقها والنفس بعد مشّوقةٌ
إليها وهل بعد العناق تنادني
                 **
وألثم فاها كي تزول صبابتي
فيزداد ما ألقى من الهيامني
ونقول بأن روح الحياة إنما هو بخار رطب يتحلل من الرطوبة والدم وينشأ في جميع البدن ومنها تكون حياة البدن والجسم ومادة هذه الروح من استنشاق الهواء بالتنفس دائماً لترويح الحرارة الغريزية التي في توجد في داخل قلب الإنسان فإذا تعانق العاشق والمعشوق وتباوسا وإمتص كل واحد منهما ريق صاحبه وبلعه وصلت تلك الرطوبة إلى معدة كل واحد منهما وامتزجت هناك مع الرطوبات التي في المعدة ووصلت إلى جرم لكبد واختلطت بجميع أجزاء الدم هناك وانتشرت في العروق الواردة إلى سائر أطراف الجسد ثم إختلطت بجميع أجزاء البدن وصارت لحم ودم وشحم وعروق وعصب وما شاكل ذلك من بقية الجسد وهكذا أيضا إذا تنفس كل واحد منهما في وجه الأخر خرج من تلك الأنفاس شيء من نسيم روح كل واحد منهما وإختلط بأجزاء الهواء فيستنشقونه فإذا استنشقا من ذلك الهواء دخلت إلى خياشيهما أجزاء ذلك النسيم من الهواء المستنشق ويصل بعضه إلى مقدمة الدماغ ويسري فيه ويصول ويجول وبعض أجزاء ذلك الهواء المستنشق يصل إلى جرم الرئة من الحلقوم ومن الرئة إلى جرم القلب من النبض في العروق الضوارب إلى جميع أجزاء الجسد وفي بدن هذا ماتحلل من جسد ذاك فيكون من ذلك ضروب ومن المزاجات ضروب الأخلاط ومن تلك الأخلاط ضروب الأخلاق وذلك بحسب أمزجة ابدانهم ومن شأن النفس أن تتبع مزاج البدن في إظهار أفعالها وأخلاقها لأن مزاج الجسد وأعضاء البدن ومفاصله للنفس بمنزلة آلات وأدوات للصانع فلهذه الأسباب والعلل يتولد العشق والمحبة على ممر الأيام بين المتحابين وينشأ وينمو كمثل حبة زرعت أو كمثل جنين داخل رحم فأما الذي يتغير من المحبة ويفسد بعد التأكيد فلأسباب يطول شرحها ولكن نذكر أولا مالعلة في محبة شخص لشخص دون سائر الأشخاص والعلة في ذلك هو اتفاق مشاكلة الأشخاص الفلكية في أصل مولدهما بضرب من الضروب الموافقة من بعض لبعض وهي كثيرة ومنها أن يكون مولدهما ببرج واحد أو رب البرجين كوكب واحد أو يكون البرجان متفقين في بعض المثاني .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق