الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

حجر الفلاسفة وكيف يصير البراني جواني

نبدأ هذه المقالة بإسم الله الرحمن الرحيم ، ونسأل هل سمعت بحجر الفلاسفة من قبل ؟ على الغالب نعم فهو أشهر من نارٍ على علم لكنه أقرب مايكون للأسطورة لذلك لا يعطيه بالاً ، فقد عرض هذا الإسم الغامض ، بإسم حجر الفيلسوف في الفليم الشهير


[ هاري بوتر وحجر الفيلسوف ] 

harry potter and philosophers ston 

وأيضاً كان حجر الفلاسفة المحور الأساسي في أحد الإنميات اليابانية تحت إسم

[ المعدني الكيميائي الكامل ]

fullmaetal alchemist

وأتى هذا الأنمي الكيميائي بأن حجر الفلاسفة هو غاية جميع الخيميائيين حيث أنه يكسر كل قوانين الطبيعة ، لكنها تبقى مجرد قصص خيالية ، أما لو أتينا للواقع فقد كانت جميع الحضارات البشرية تبحث عن هذا الحجر السحري حجر الفلاسفة وعن إكسير الحياة ، فلنذكر أولاً أشهر الكيميائيين المعروفين لدى الغالبية ، فكان من الذين بحثوا بحفواةٍ عن هذا الحجر هو العالم الشهير في وقتنا الحاضر [ إسحاق نيوتن ] فقد كان كيميائياً ففي عام 1940 م ، وجد [ جون ماينارد كنيس ] صندوقاً يحتوي على أوراق خاصة لإسحاق نيوتن كان يدوّن فيها محاولاته اللانهائية للبحث عن حجر الفلاسفة ، وأيضاً كانت هنالك محاولات من بعض الخيميائيين في الحضارات السابقة ، فقد إرتبطت الخيمياء بهذا الحجر والخيمياء علم شريف منذ القدم وقد اختلفت مسمياته مابين chio ، وشامان ، وchem ، وكمت ، حتى وصلنا لكلمة chemis وهي تدل على السيمياء التي عرفها المصريون القدامى ، وقد كانت الكيمياء عملاً محرماً لدى العامة ، ولدى تجار الدين من الكهنوت الديني وينسبونه للسحر والشعوذة والكفر ، وأنها أعمال شيطانية تتعدى على حقوق الله بتحويل صنعته وخلقه لشكل آخر ، وأيضاً في 140 م.ق في زمن الإمبراطور الصيني الشهير [ ووتي ] إنشغل الخيميائيون في عهده بالبحث عن حجر الفلاسفة أو إكسير الحياة ، الذي كان يطلق عليه اسم [ التان ] وسعوا جاهدين لصنعه لكن بائت جميع محاولاتهم بالفشل ، وأيضاً تعمقت الحضارات الإغريقية كذلك في صناعة الكيمياء وأيضاً الحضارات الغربية القريبة حاولت صناعته ، وقد قال : [ مارشال بيتر ] مؤلف كتاب حجر الفلاسفة ان رجلاً إدعى انه إكتشف حجر الفلاسفة قد زار عالماً سويسرياً يدعى [ جوهان هيلفيتس ] عام 1666 م وترك قطعةً صغيرة منه للعالم كي يحللها وغادر على وعد أن يعود إليه لكي يوضح له كيف له أن يصنع حجر الفلاسفة ، وبعد أن قام العالم السويسري باستخدام قطعة الحجر في تحويل نصف أوقية من الرصاص إلى ذهب نقي ، لم يعد الزائر الغامض مرة أخرى لكي يكشف للعالم السويسري كيف يمكنه صنع حجر الفلاسفة ، وبينما ظن البعض أن حجر الفلاسفة يصنع من الدماء ويكون بقدرته السحرية إكسيراً للحياة وقد ظن البعض أنه مصنوع من الزئبق ، ولذلك شرب الإمبراطور الصيني [ تشين شي هوانق ] الزئبق وتوفي على أثره متأملاً حياة الخلود ، وبعد ان إستعرضنا وجود الكيمياء وأكسير الحياة في حضارات البشر لنتكلم عن معتقداتهم ، وعن حجر الفلاسفة فنقول حجر الفلاسفة بكل بساطة هو حجر سحري يحول أي معدن إلى ذهب أو فضة ، أو أي معدن خسيس إلى معدن نفيس ، وهو حجر يصنع منه إكسير الحياة لأطالة عمر الجسد وشفائه من كل الأسقام ، ولم يرى أحد الحجر هذا ، لكنهم تخيلوا انه قطعة من حجر نفيس ، بل أعتقد أكثرهم أن له خاصية سائلة و كانت أغلب الظنون أن حجر الفلاسفة هو مسحوق أسطوري أحمر اللون لذلك كانت فكرته تداعب عقول البشر وكان محل إهتمام الشعوب كافة وخصوصاً الملوك وأصحاب الرتب الدنوية العالية ، ولك أن تصدق ولك أن تكذب ، لكن دعونا نتكلم عن قوى بعض الأحجار الاخرى بعيداً عن حجر الفلاسفة ، فكما نعلم بأن هنالك أحجار عدة لها قوى روحانية سحرية عجيبة وكأقرب مثال حجر [ الهبهاب ] ! فهو أقرب مايكون لحجر سحري لا أحد يعلم له سراً وله قوى روحانية شديدة ، ولو رأيت كيف أنها تخرج منه دماء حية لتعجبت وتسائلت كيف صنع ومما صنع ، ويكون الحجر حاراً كحرارة الدم الحي ويتم الحصول عليه بين أنقاض الآثار القديمة ، ولكنها في الغالب تكون مطلسمة بطلاسم سحرية ، ويمكن الكتابة به فهو يخط على الصفائح البيضاء ، وهو حجر أقرب مايكون استخدامه للشر والخبث ونعوذ بالله من كل شر ، ولنطرح مثالاً آخر عن بعض قوى الأحجار ، فعرق السواحل حجر روحاني له قدرات عجيبة أيضاً لا يسعنا ذكرها وهو أنواع وأقرب مايكون للتكذيب عرق السواحل القنفذي ، الذي ينتجه القنفذ بأكله أفعى شديدة السمية عندما يحتاج لقوة هذا الحجر لأي سبب من الأسباب ، ويتم الحصول عليه بالخلسة ، قبل أن يُبطل القنفذ مفعولة بطريقته الخاصة عندما ينتهي منه ، وأيضاً هناك حجر خرز الحية و تاج الأفعى ، أو مايسمى في تراثنا النجراني القديم ربما البعض سمع بها من أحد كبار السن [ لولوة المنا ] فلها قدرات روحانية عجيبة وتستخرج من الأفاعي وقت تزاوجها وتكون إما خرزتين ذكر وانثى ويتم الحصول عليها بطرق خاصة لا يعرفها إلا أناس مختصون وقلة ، وتستخرج من ذكر الأفعى ، أو تكون خزرة واحدة ينتجها الداب بأكله مئات الأفاعي السامة ، فتصبح ثقيلةً في بطنه فحينما يتعب من المشي يخرجها ليرتاح قليلاً وهذا الحجر يكون مضيئاً في الليل كالفسفور ، أو يستخدمها ليغري فرائسة من القوارض بنوره ، فإن صدف ووجدتها قبل أن يبتلعها وقتلته حصلت عليها ونلت منافعها ، وغيرها الكثير من الأحجار ذات القوى الروحانية كالعقيق والسليماني وغيره ، والآن لنعود للخيمياء وزبدة موضوعنا وفن التلاعب بالمعادن أو المواد لكن بمحدودية أكثر فكما قلنا على مر التاريخ سعى القدماء لصنع مايسمى بحجر الفلاسفة الذي تكلمنا عنه في البداية ، وقد تراه شيئاً خرافياً أو شيئاً لا يصدق ، لكن لو نظرت بحيادية لوجدت أنك تؤمن بهذا الشيء حق الإيمان ، فلتقل كيف ذلك ؟! فنقول بأننا جميعنا كمسلمين أو كمسيحيين أو كيهود نعلم أن في حضاراتنا الدينية أن قارون الذي جاء ذكره في القران يحول التراب الى ذهب ، والبعض يقول بأنه عرف إسم الله الأعظم فتمكن من ذلك ، ولكن في القران الكريم ذُكر أن الله أتاه علماً ، ومن هنا أُخذ أنه يحول التراب أو أي معدن إلى ذهب ، ولو نظرنا إليها بالمنطق ، سنعلم أن الله لن يُنزل من السماء جبالاً من الذهب ليستقبلها قارون ، أو أن يأتي قارون ثم يدعوا الله فيتحول جبل من تراب إلا جبل من الذهب ، لذلك الله سبحانه وتعالى لم يعطي قارون الذهب جاهزاً ، كما أن الله سبحانه وتعالى لن يعطيك الخبز محمصاً ومحشواً بالجبن والعسل ، بل يجب أن تزرع وتحصد وتطحن وتعجن وتطبخ ، ثم لو نظرنا لهذه الفكرة من بابٍ خيميائي لوجدنا أن أنواع المعادن النفيسة تكونت طبيعياً بعد آلالاف السنين تحت الضغط بفعل اليبوسة والحرارة أو الرطوبة والبرودة ، أو الحرارة والرطوبة أو البرودة واليبوسة ، فماذا لو إستطعت أن تعلم كيف تكونت بالتفصيل وبمعادلات خيميائية إستطعت أن تسرّع من عملية تكوينها ، فهنا كل ماتحتاجه هو الزئبق والكبريت كما أورد أصحاب المعرفة ، أما الحرارة والرطوبة واليبوسة والبرودة فسهلٌ عليك تسخيرها ، ولننظر لأقوال الفلاسفة والحكماء السابقين والاخرين بأن أصل كل معدن زيبق وكبريت ، بل تخطوا ذلك وقالوا بأن كل مادة متكونة من العناصر الأربعة ، أو ماتسمى في عالم الفلسفة الأركان الأربعة ، أو الأمهات الأربعة ، أي أنها أم المولودات الثلاثة ، التي كان المعدن أول مولدٍ لها ، والأمهات الأربعة هي النار وهو حار يابس ، والهواء وهو حار رطب ، والتراب وهو بارد يابس والماء وهو بارد رطب ، فلو إستطعنا التلاعب بالعناصر الأربعة لإستطعنا تحويل أي شيء نريده إلى مانريد ، ولو إستطعنا التلاعب بالزيبق الذي بسببه تسمم مئات الخيميائيين عند محاولاتهم ترويض هذا العنصر العجيب لصنع الحجر ، وتلاعبنا بالكبريت وفككنا ترابطها وأعدنا ترتيبها لإستطعنا أن نغير تكوينها من معادن رخيصة إلى معادن نفيسة أو العكس ، ومن هنا أقول وأجزم بأن حجر الفلاسفة موجود ، وقد أتى لذكره جابر بن حيان أبو الكيمياء ، وهو تلميذ مولانا جعفر الصادق صلوات الله عليه وقد أسماه مولانا جعفر [ بجابر قلوب المنكسرين ] حين قال : عن نفسه [ سُميت جابر لإني جبرت العلم وأهله من البيان التام ] ، والقصة أن جابر أراد أن ينسب هذا العلم البديع لأستاذه لكن مولانا جعفر الصادق عليه السلام رفض ذلك ودعى له واثنى عليه ، ولسيدنا جابر مايقارب ثلاثة آلاف مؤلف لكن للآسف الشديد كانت الخيمياء في وقته محض سحر وشعوذة وقد كُفر ولعن وأحرقت كتبه ، من قبل أباطرة الدين الظاهري أعداء العلم والمعرفة ، ولجابر صنعة [ الماء الملكي ] ليعيد إسترجاع الذهب الذي إستطاع بذكائه أنه يخفيه في أسلاك من المعدن وهذا الماء الملكي يتميز بأنه يذيب الذهب ، ومازال يستخدم حتى وقتنا الحاضر ، والآن لنعد لحجر الفلاسفة فحجر الفلاسفة أو ما أسماه جابر ابن حيان

[ ” بالحجر الكريم المكرم المثلث الأركان ” ] ، وهو حجر يحوّل المعدن إلى ذهبٍ أو فضة وأشياء أخرى ، وكان هذا العلم الشريف وعلم الخيمياء من دروس مولانا جعفر الصادق صلوات الله عليه ، كما ذكر جابر عند شرح صناعة هذا الحجر حيث قال وهو يشرح :

[ ” كما أمر سيدي صلوات الله عليه “] ومن هنا بتنا نعلم بأن هذه كانت تعاليم مولانا جعفر ابن محمد الصادق صلوات الله عليه ، وعلى كل حال حتى لو قرأنا شرحه فلن نصل لحل رموزه إلا من شاء الله له ورزقه بهذا العلم الشريف ، فقد قال مولانا جعفر صلوات الله عليه لجابر حينما عرض عليه كتابه وأراد أن ينسبه لمولانا جعفر :

 [ هذا كتابك جنة الخلد ينعم فيها البايس والفقير والمضطر ، وكذلك ذهب عنك كل تعب ونصب بإذن الله تعالى ويعلم الطريق الخالدي للاصباغ وينال القطوف الدانية والأنهار الجارية والأتمار ” ] لذلك أيقنت أنه لن يصل لفك رموزه إلا من إستحقه بفضلٍ من الله سبحانه ، ويقول أيضاً جابر عن صناعة هذا الإكسير العجيب : [ أشرت لما في هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا يقربه وقد بينت لك الذي أخفوه الحكماء من الورق ، ودفنوه في رموزهم من الألفاظ واتيتك بمظهر وبينت لك الطرقات جميعها على هذه المباقل لكن الناس لا يفهمون كل منا فظنوا وظلوا والان نعود الى ما كنا من ذكر التدابير القريبة والأحوال العجيبة من أحوال الحجر ] ، فلذلك يستحيل أن يترك هذا الفيلسوف الحكيم فرصةً صغيرة يستغلها أهل الباطل للدخول لهذا لهذه الجنة الكيميائية الشريفة ، ولن يقدر على حل هذه المعادلات إلا ذوي الرتب العالية من أهل الحق والخير ، وأما بشأن قدرة هذا الحجر العجيب لابد أن نأتي بطرف بسيط من شروحات الداعي الأجل لنبين بعضها ، فقد قال فيها :

[ ان اسقيته من الماء الأحمر بعد ذلك سبع سقيات واحد منه على ثمانية الاف من الاسرب أو من القمر يعود ذهباً ابريزاً وان القي منه على الزجاج صبغه ياقوتاً أحمر ، وان القي منه في أول سقيه فإنه يصبغ الف ومائتان من الفضة ذهباً ابريزا ] ” وبعد أن فرغنا من تعريف هذا الحجر السحري العجيب ، وبينا قواه الخيالية وإستعرضنا في البداية بعض تجارب البشر في محاولة صنعه ، وطرحنا نبذةً عن صاحبه ومحتضنه وصانعه ، فلابد أن نبين هذا القول لجابر ابن حيان فيقول : [ ” وهذا العمل المكتوم اذا فتشت عليه لم تجده في كتب الحكما لا من الأولين ولا من الاخرين فأفهم هذا التفصيل فهو راجع اليكم فوالله الذي فاق السماوات بقدرته والجبال بأمره انك لن تجد أحد من الأولين ولا من الاخرين تكلم بمثل ماتكلمت به فأعرف قيمة ماوصل إليك وكن أهله ومستحق له وهذا عهد الله قلدتك اياه ] ” فلذلك كان جابر أول من أتى بذكر هذا العلم اللطيف من الأولين والاخرين حيث وثقه لنفسه وشرح غموضه وطريقة صناعته وهي أقرب ماتكون للخيال لكن العلم لا خيال فيه ولا مستحيل ، وفي النهاية أتمنى أني لم أطل الحديث في شيء غير ضروري ولكن بقي أن أبين معنى عنوان هذه المقالة[ كيف يصير البراني جواني ] فالبراني هو ظاهر الشيء أي خارجه ، والجواني هو باطن الشيء أي داخله ، وقد ذكر هذه الجملة جابر في نهاية شروحاته حيث قال : 

[ ” فهذا زعمنا بأن البراني يصير جواني “]

أي هذا زعمنا بالقدرة على التلاعب بظاهر المعادن وباطنها ، لذلك لا أحد كجابر في الخيمياء ولن تلد الأرحام من يفوقه في صنعته ، والصلاة والسلام على مدينة العلم محمد ابن عبدالله وعلى بابها علي ابن أبي طالب صلاةً سرمدية ، وعلى آلهما الطيبين الطاهرين وعلى الائمة من نسلهم أجمعين فهم والله أهل العلم ومفيديه والسلام عليكم ورحمة الله . 


بنج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق